للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابيه وما يجرى مجراه من حبس زوجته وامه واخته وأخيه وكل ذى رحم محرم منه لأن القرابة المتأبدة بالمحرمية بمنزلة الولاد.

والاكراه بجميع أقسامه لا ينافى أهلية الوجوب ولا أهلية الأداء لأنها ثابتة بالذمة والعقل والبلوغ.

والاكراه لا يخل بشئ من ذلك، ثم هو كذلك لا يوجب سقوط‍ الخطاب بها عن المكره بحال سواء كان ملجئا او لم يكن، لأن المكره مبتلى والابتلاء يحقق الخطاب، ألا ترى أن المكره فى الاتيان بما اكره عليه متردد بين كونه مباشر فرض كما لو اكره على أكل الميتة أو شرب الخمر. بما يوجب الالجاء فانه يفترض عليه الاقدام على ما اكره عليه حتى لو صبر ولم يأكل ولم يشرب حتى قتل يعاقب عليه لثبوت الاباحة فى حقه فى هذه الحالة بالاستثناء المذكور فى قول الله عز وجل:

«إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» (١).

وبين كونه مباشر محظور كما فى الاكراه على الزنا وقتل النفس المعصومة، وبين اباحته كما فى اكراه الصائم على افساد الصوم فانه يبيح له الفطر، وبين رخصته كما فى الاكراه على الكفر فانه ترخص له اجراء كلمة الكفر على اللسان. وتردد المكره بين هذه الأمور علامة لثبوت الخطاب فى حقه لأن هذه الأشياء لا تثبت بدون الخطاب (٢).

والاكراه لا ينافى الاختيار لأن الاختيار لو سقط‍ لتعطل الاكراه وهذا لأن المكره - بكسر الراء - حمله على اختيار الفعل وقد وافق المكره الحامل فيكون مختارا فى الفعل ضرورة، ولكونه مختارا كان مخاطبا فى عين ما أكره عليه فثبت من ذلك أن الاكراه بنفسه لا يصلح لابطال حكم شئ من الاقوال مثل الطلاق والعتاق والبيع ونحوها، ولا لابطال حكم شئ من الافعال مثل القتل واتلاف المال وافساد الصلاة والصوم ونحوها، فيثبت موجب هذه الجملة لكونها صادرة عن أهلية واختيار، لكن يتغير الحكم بدليل غيره بعد ما صح الفعل فى نفسه كما يتغير فعل الطائع بدليل يلتحق به يوجب تغيير موجبه، فان موجب قوله انت طالق أو أنت حر - وهو وقوع الطلاق أو العتاق - يثبت عقيب التكلم به الا اذا لحق به مغير من تعليق أو استثناء وكذلك موجب فعله كشرب الخمر أو الزنا أو السرقة ثابت فى الحال الا اذا تحقق مانع بأن تحققت هذه الأفعال فى دار الحرب أو تحققت فيها شبهة فكذا يثبت موجب اقوال المكره وأفعاله الا عند وجود المغير (٣).

والمعنى الذى تدور عليه الاحكام أن الاكراه عندنا لا يوجب تبديل الحكم بحال سواء كان ملجئا أو غير ملجئ بل يبقى حكمه، ولا يوجب تبديل محل الجناية ولا يوجب تبديل النسبة الا بطريق واحد وهو أن تجعل المكره - بالفتح - آلة المكره - بالكسر -


(١) الآية رقم ١١٩ من سورة الانعام
(٢) كشف الاسرار لعبد العزيز البخارى على أصول على بن محمد البزدوى ج ٤ ص ١٥٠٢ وما بعدها الى ص ١٥٠٤ طبع فى مكتبة الصنائع بمعرفة حسن حلمى الريزوى سنة ١٣٠٧ هـ‍.
(٣) المرجع السابق ج ٤ ص ١٥٠٤ الطبعة السابقة.