للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعل المكره آلة لا باعتبار أن الاكراه يفوت اختياره أصلا ولكن لأنه يفسد اختياره به لتحقق الالجاء. اذ الانسان مجبول على حب حياته وذلك يحمله على الاقدام على ما اكره عليه فيفسد به اختياره من هذا الوجه، والفاسد فى معارضته الصحيح كالمعدوم فيصير الفعل منسوبا الى المكره لوجود الاختيار الصحيح والمكره يصير آلة له لعدم اختياره حكما فى معارضته الاختيار الصحيح (١).

والاكراه الذى له أثر فى الأحكام نوعان:

حرمة لا تزول ولا تسقط‍ نحو حرمة الزنا والقتل لان القتل لا يحل لضرورة ما فلا يحل بهذه الضرورة أيضا لأن حرمة نفس غيره مثل حرمة نفسه فلا يجوز أن يجعل اهلاك نفس غيره طريقا الى صيانة نفسه والزنا فى حكم القتل أيضا.

وحرمة لا تحتمل السقوط‍ أصلا مثل حرمة الميتة وشرب الخمر.

وحرمة لا تحتمل السقوط‍ لكنها تحتمل الرخصة نحو حرمة اجراء كلمة الكفر فانها لا تحتمل السقوط‍ أبدا لكن تدخلها الرخصة اى تسقط‍ المؤاخذة بالمباشرة مع قيام الحرمة،

وحرمة تحتمل السقوط‍ لكنها لا تسقط‍ بعذر الاكراه واحتملت الرخصة كحرمة اتلاف مال الغير فانها تحتمل السقوط‍ باباحة صاحبه ولم تسقط‍ بعذر الاكراه كما لم تسقط‍ بعذر المخمصة لأن حرمته لحق الغير، وحقه باق فى حالة الاكراه والاضطرار لكنها تحتمل الرخصة حتى رخص له الاتلاف بالاكراه والأكل بالمخمصة مع بقاء الحرمة (٢).

ثم ينظر.

فان كان التصرف المكره عليه من جنس ما لا ينفسخ ولا يتوقف على وجود الرضا والاختيار لم يبطل بالاكراه مثل الطلاق والعتاق والنكاح لأن ذلك لا يبطل بالهزل وهو ينافى الاختيار والرضاء بالحكم ولا يبطل شرط‍ الخيار وهو ينافى الاختيار أصلا فلأن لا يبطل بما يفسد الاختيار أولى (٣).

وأما التصرف الذى يحتمل الفسخ ويتوقف على الرضاء مثل البيع والاجارة ونحوهما فانه يقتصر على المباشر أيضا كالذى لا يحتمل الفسخ لأن الأقوال كلها تقتصر على المتكلم الا أن الذى يحتمل الفسخ ويتوقف على الرضاء ينعقد فاسدا لأن الاكراه لا يمنع انعقاد أصل التصرف لصدوره من أهله فى محله ولكنه يمنع نفاذه لفوات الرضاء الذى هو شرط‍ النفاذ بالاكراه فينعقد بصفة الفساد.

ولا تصح الأقارير كلها حتى لو اكره بقتل أو اتلاف عضو أو حبس أو قيد على أن يقر بعتق ماض او طلاق او نكاح او رجعة او فئ


(١) المرجع السابق ج ٤ ص ١٥٠٧، ١٥٠٨ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق ج ٤ ص ١٥٠٧ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق ج ٤ ص ١٥٠٧، ١٥٠٨ نفس الطبعة.