للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيطلقون على الأمة أيضا «الناقبة» و «اللآمة» لما فيها من معنى اللفظين (١).

أحكام الآمة

حكم القصاص فى عمدها:

قال الإمام مالك فى «الموطأ»: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيها قود (أى قصاص) وعلق عليه شارحه أبو الوليد الباجى فقال: «وبهذا قال أكثر الفقهاء، وهو المروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال ابن المواز:

أجمع جميع الفقهاء على ذلك إلَا ربيعة

والدليل على ما نقوله أن معني القصاص أن يحدث عليه مثل ما جني، ولما كان الغالب من هذه الجناية أنها لا تقف على ما انتهت اليه فى المجني عليه بل تؤدى إلى النفس (أى إلى إزهاقها) لم يجز القصاص فيها لأن قصد القصاص يكون قصدا إلى أتلاف النفس».

وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وهو الراجح فى مذهب الإمامية (٢).

وقد خالف فى ذلك أبو محمد على بن حزم الظاهرى (٣) إذ يرى أنه يقتص فى عمد الآمة كما يقتص من سائر جراح العمد إلا أن يعفو صاحب الحق ويتصالح لأن النص عام فى قوله تعالى: «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ} (٤)» بضم الحاء، وفى قوله تعالى: «وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ، فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} (٥)» «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ٦».

فلو علم الله تعالى أن شيئا من ذلك لا يمكن فيه مماثلة لما أجمل لنا أمره بالقصاص فى الجروح جملة ولم يخص شيئا منها.

[الحكم فى الآمة]

الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية يقولون: يجب فى الآمة ثلث الدية لا فرق بين عمدها وخطئها ويستدلون بما ورد فى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وهو الذى رواه عمرو بن حزم عن أبيه من قوله «وفى المأمومة ثلث الدية» وبأدلة أخرى (٧) يقررها ابن قدامة.

والراجح فى مذهب الشافعية (٨) أنه لا يجب فيها إلا ثلث الدية خلافا لمن يرى أن فيها مع الثلث حكومة (ما يقدره خبير وهو الأرش المقدر) لخرق غشاوة الدماغ كما أن فى الجائفة الثلث والحكومة.

والإباضية يقولون (٩): فى المأمومة ثلث الدية ويفرقون بين الخطأ والعمد فيقولون «ولا تأديب فى الخطأ ولا قصاص، وأما العمد ففيه التأديب ولو بتعزير أو نكال مع الأرش أو العفو»:

وأما ابن حزم الظاهرى (١٠): فيرى أنه لا تجب دية فى شئ مما دون النفس خطأ ويقول بعد تقريره أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر.


(١) كتاب النيل فى فقه الإباضية ج‍ ٨ ص ١٠.
(٢) انظر شرح الباجى على الموطأ مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٣٢ ج‍ ٧ ص ٨٨ وبهامشه الموطأ، الدر المختار طبع استانبول ج‍ ٥ ص ٥١٢ فى عدم القصاص وص ٥١٠ فى ترتيب الشجاج والأنوار ج‍ ٢ ص ٢٥٣، والمغنى ج‍ ٩ ص ٤٤٦، والمختصر النافع للجعفرية طبع مصر سنة ١٣٧٨ ص ٣١٥، والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج‍ ٢ ص ٤٤٢ وشرح الروض النضير ج‍ ٤ ص ٢٥٨ وشرح كتاب النيل ج‍ ٢ ص ٢٠٨.
(٣) المحلى ج‍ ١٠ ص ٤٦١.
(٤) سورة المائدة: ٤٥.
(٥) سورة البقرة: ١٩٤.
(٦) سورة مريم: ٦٤.
(٧) المغنى ج‍ ٩ ص ٦٤٦، الاختيار شرح المختار ج‍ ٢ ص ١٧٢، ١٧٤، وأقرب المسالك ج‍ ٢ ص ٣٧٢.
والروض النضير ج‍ ٤ ص ٢٥٧، ٢٥٨.
(٨) شرح المنهاج طبعة الحلبى ج‍ ٤ ص ١٣٣.
(٩) كتاب النيل ج‍ ٨ ص ١٣.
(١٠) المحلى ج‍ ١٠ ص ٤٠٣ وما بعدها.