للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه وتعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ» (١)، فقد قرن بينهما فى الأمر بالإتمام فدل على فرضيتهما.

وفى حديث ابن ثابت رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: العمرة فريضة الحج.

ودليلنا حديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الحج جهاد والعمرة تطوع.

وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هى؟ فقال: لا وإن تعتمر خير لك. ولأن العمرة لا تتوقت بوقت معلوم فى السنة. وإنما باين النفل الفرض بهذا. فإن الفرض يتوقف بوقت والنفل لا يتوقف. ولأنه يتأدى بنية غيره فإن عنده المحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالعمرة.

وبالإجماع فائت الحج يتحلل بأعمال العمرة والفرض إنما باين النفل. فأما الآية فقد قرأت بالنصب وبالرفع والعمرة لله.

فالقراءة بالرفع ابتداء خبر العمرة لله والنوافل لله تعالى كالفرائض. ثم هذا أمر بالإتمام بعد الشروع ولا خلاف فيه (٢). وما عرفنا ابتداء فرضية الحج بهذه الآية. بل عرفناه بقول الله تعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» (٣). وبهذا تبين أن المقصود زيارة البيت.

وهذا المقصود حاصل بفرضية نسك واحد فلا تثبت صفة الفرضية فى عدد منه ولهذا لا تتكرر فرضية الحج.

ومعنى قول الشافعى رحمه الله تعالى: أن العمرة فريضة أى مقدرة بأعمال الحج فإن الفرض هو التقدير. وبه نقول: إنها مقدرة.

فأكثر ما فى الباب أن الآثار قد اشتبهت فيه.

ولكن صفة الفرضية مع اشتباه الأدلة لا تثبت.

فإذا ثبت عندنا أن أصله ليس بفرض بل هو تبع للحج لا يكون وجوب البدنة بالجماع فى الحج دليلا على وجوبها فى العمرة.

وعنده لما كان فرضا وجب بالجماع فيه ما يجب فى الحج.

[الإفراد فى العمرة.]

جاء فى المبسوط‍ (٤) ومثله فى الفتاوى الهندية أن المفرد بالعمرة إذا أرادها يتأهب لها كما يتأهب للحج فيحرم بها من الميقات أو قبل الميقات فى أشهر الحج أو فى غير أشهر الحج ويذكر العمرة بلسانه عند التلبية مع قصد القلب فيقول: لبيك بالعمرة أو يقصد بقلبه ولا يذكرها بلسانه والذكر باللسان أفضل ويجتنب المحرم بالعمرة ما يجتنبه المحرم بالحج ويفعل فى إحرامه وطوافه وسعيه بين الصفا والمروة ما يفعله الحاج. فإذا طاف وسعى وحلق يخرج عن إحرام العمرة.


(١) الآية رقم ١٩٦ من سورة البقرة.
(٢) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ٥٩ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٣) الآية رقم ٩٧ من سورة آل عمران.
(٤) كتاب المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ٢٩ وما بعدها.