للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أهل بحجة فقدم مكة وقد فاته الحج فأقام حراما حتى يحج مع الناس من قابل بذلك الإحرام قال: لا يجزئه عن حجته. وبهذا يستدل أبو يوسف رحمه الله تعالى على أن إحرامه صار للعمرة حيث لا يجوز أداء الحج به.

ولكنا نقول قد بقى أصل إحرامه للحج ولكنه تعين عليه الخروج بأعمال العمرة فلا يبطل هذا التعيين بتحول السنة مع أن إحرامه انعقد لأداء الحج فى السنة الأولى، فلو صح أداء الحج به فى السنة الثانية تغير موجب ذلك العقد بفعله وليس إليه تغيير موجب عقد الإحرام.

ومنها (١): من أهل بشئ واحد لا ينوى حجة ولا عمرة ينعقد إحرامه مع الإبهام. لما روى أن عليا وأبا موسى رضى الله تعالى عنهما لما قدما من اليمن قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم أهللتما؟ قالا: أهللنا بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صحح رسول الله صلى الله عليه وسلم إحرامهما مع الإبهام والإحرام بمنزلة الشرط‍ للنسك ابتداء والإبهام فيه لا يمنع صحته كالطهارة للصلاة.

وبعد ما انعقد الإحرام مبهما فللخروج منه طريقان شرعا: إما الحج، أو أعمال العمرة.

فيتخير بينهما إن شاء خرج عنه بأعمال العمرة وإن شاء بأعمال الحج، وكان تعيينه فى الانتهاء بمنزلة التعيين فى الابتداء.

فإن أحصر قبل أن يعين شيئا فعليه أن يبعث بهدى واحد، لأنه محرم بإحرام واحد فالتحلل عن إحرام واحد وعليه قضاء عمرة استحسانا.

وفى القياس عليه قضاء حجة وعمرة لأن إحرامه إن كان للحج فعليه قضاء حجة وعمرة والأخذ بالاحتياط‍ فى قضاء العبادات واجب.

ولكنه استحسن فقال المتيقن به يصير دينا فى ذمته فقط‍ والمتيقن العمرة ولما كان متمكنا من الخروج عن عهدة هذا الإحرام قبل الإحصار بأداء العمرة فكذلك بعد الإحصار يتمكن من الخروج عن هذه العهدة بأداء العمرة.

ومنها (٢): أن المفرد بالعمرة إذا جامع قبل أن يطوف أكثر الأشواط‍ فسدت عمرته وعليه دم.

وإن جامع بعد ما طاف أكثر الأشواط‍ لا تفسد عمرته، لأن ركن العمرة هو الطواف فيتأكد إحرامه بأداء أكثر الأشواط‍ كما يتأكد إحرام الحج بالوقوف ولكن عليه دم عندنا.

وعلى قول الشافعى رحمه الله تعالى فى الوجهين جميعا تفسد عمرته وعليه بدنة، لأن الجماع محصور كل واحد من النسكين، فكما أن فى الحج تجب البدنة بالجماع فكذلك بالعمرة.

وعندنا لا مدخل للبدنة فى العمرة بخلاف الحج.

واحتج الشافعى رحمه الله تعالى بقول الله


(١) المبسوط‍ للسرخسى ج ٤ ص ١١٦ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ٥٨ وما بعدها الطبعة السابقة.