للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجواز الهرب وإن قال أقم لى كفيلا بالمال لم يلزمه لأنه لم يحل عليه الدين فلم يملك المطالبة بالكفيل كما لو لم يرد السفر وإن كان الدين حالا نظر فإن كان معسرا فلم يجز مطالبته لقوله تعالى "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" ولا يملك ملازمته لأن كل دين لا يملك المطالبة به لا يملك الملازمة كالدين المؤجل فإن كان يحسن صنعه فطلب الغريم أن يؤجر نفسه ليكسب ما يعطيه لم يجبر على ذلك لأنه إجبار على التكسب فلم يجز كالإجبار على التجارة وإن كان موسرا جازت مطالبته لقوله تعالى "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" دلت على أنه إذا لم يكن ذا عسرة لم يجب إنظاره، فإن لم يقضه ألزمه الحاكم فإن امتتع فإن كان له مال ظاهر باعه عليه.

وإذا استمهل من قامت عليه البينة -أي طلب الإمهال- ليأتى بدافع، من نحو أداء أو إبراء، أمهل ثلاثة أيام، لأنها مدة قريبة لا يعظم فيها الضرر (١).

[مذهب الحنابلة]

في كتاب "المغنى" لابن قدامة:

من وجبت عليه نفقة امرأته، وكان له عليها دين، فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها، فإن كانت موسرة فله ذلك، لأن من عليه حق فله أن يقضيه من أي أمواله شاء، وهذا من ماله.

وإن كانت معسرة لم يكن ذلك، لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته، وهذا لا يفضل عنها، ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر بقوله سبحانه "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (٢) " فيجب إنظارها بما عليها (٣).

جاء في كشاف القناع (٤) إن كان للمدين سلعة فطلب من رب الحق أن يمهله حتى يبيعها ويوفيه الدين من ثمنها أمهل بقدر ذلك أي بقدر ما يتمكن من بيعها والوفاء وكذا إن طولب بمسجد أو سوق وماله بداره أو مودع ببلد أخر فيمهل بقدر ما يحضره فيه وكذلك إن أمكن المدين أن يحتال لوفاء دينه باقتراض ونحوه فيمهل بقدر ذلك ولا يحبس لعدم امتناعه من الأداء ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وإن خاف رب الحق هربه احتاط بملازمته أو كفيل وإن طلب المدين أن يرسم عليه حتى يفعل ذلك أي ما يتمكن به من الوفاء وجبت إجابته إلى ذلك دفعا لضرره ولم يجز منعه من الوفاء بحبسه لأنه عقوبة لا محوج إليها وكذا إن طلب شخص محبوس تمكينه من الوفاء فيمكن أو حضر وكيل عنه في وفاء الدين كما يمهل الموكل ولو مطل المدين رب الحق حتى شكى عليه فما غرمه رب الحق فعلى المدين المماطل إذا كان غرمه على المعتاد ذكره في الاختيارات لأنه تسبب في غرمة بغير حق.

[مذهب الظاهرية]

من كان له دين حال أو مؤجل فحلَّ، فرغب إليه الذى عليه الحق فى أن ينظره أيضا إلى أجل مسمى ففعل أو أنظره كذلك بغير رغبة، وأشهد أو لم يشهد ولم يلزمه من ذلك شئ، والدين حال، يأخذه به متى شاء. وكذلك لو أن امرأ عليه


(١) حاشية البيجرمى، على شرح منهج الطلاب، جـ ٤ ص ٣٩٧ طبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر ١٣٢٠ هـ.
(٢) سورة البقرة، الآية ٢٨٠.
(٣) كتاب المغنى تأليف موفق الدين أبى معمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الطبعة الأولى، ممطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٧ هـ.
(٤) كشاف القناع عن متن الإقناع للملامة منصور بن إدريس الحنبلى وبهامشه شرح المنتهى للعلامة الشيخ منصور بن يوسف البهوثى الحنبلى جـ ٢ ص ٢٠، ص ٢٠٧ طبع مطبعة العامرة الشريفة سنة ١٣١٩ هـ الطبعة الأولى.