للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا مال له أجبرت الأم حينئذ على إرضاعه، وتجبر هي والوالد حينئذ على أجرة مثلها إن كان له مال وإلا فلا شئ عليه لما ذكرنا من قول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا" (١)، ولما ذكرنا من قوله تعالى: "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولد" (٢) ولما ذكرنا من وجوب الرحمة. فإن كانت الأم مملوكة وولدها عبد لسيدها أو لغيره فرضاعه على الأم بخلاف نفقته وكسوته بعد الفطام لقول الله عز وجل: "لا تضار والدة بولدها"، وقوله تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، فإن كانت مملوكة وولدها حر فإن كان له أب أو وارث فالنفقة لها والكسوة والأجرة على الأب أو على الوارث، فإن لم يكن له وارث فرضاعه على أمه وإن ماتت أو مرضت أو أضر به لبنها أو كانت لا لبن لها ولا مال لها فإرضاعه على بيت المال فإن منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك دينا أو ضياعا فإلى أو على"، ولقول الله عز وجل: "وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب" (٣)، وهذا من الإحسان المفترض المأمور به (٤).

[مذهب الزيدية]

جاء في البحر الزخار أن على الأم أن ترضع ولدها اللبأ ثلاثة أيام أو سبعا، ولا أجرة لها على ذلك إذ لا يعيش من دونه، ولا قيمة له، ولا يلزمها ما زاد على ذلك إلا بالأجرة، ولا تجبر قال الإِمام يحيى عليه السلام: إجماعا. وعلى منفقه أجرة استرضاعه كالنفقة. والعترة على أن الأم لا تتعين للرضاع لقول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" (٥)، قال الإِمام يحيى: وندب أن لا يمنعها الأب إذ هي أشفق، ويزيد على نفقتها أجرة حتما لقول الله عز وجل: "وعلى المولود له رزقهن" وهى قدر ما يراه الحاكم (٦). وللأم الامتناع إن قبل غيرها لقول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" ولها الأجرة كما ذكرنا إلا أيام اللبأ لتعينها عليها (٧). وتجبر الأم إن لم يقبل غيرها لقول الله عز وجل: "لا تضار والدة بولدها"، وللأب نقله إلى مثلها تربيه بدون ما طلبت لقول الله سبحانه وتعالى: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"، وإلا فلا، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الأم أحق بحضانة ولدها" (٨)، قال المؤيد بالله والهادى: وإن امتنعت الأم من الحضانة بطل حق أمهاتها كبقية الأولياء مع عضل الأقرب (٩).


(١) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.
(٢) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٣) الآية رقم ٣٦ من سورة النساء.
(٤) المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم جـ ١٠ ص ٣٣٥ وما بعدها إلى ص ٣٤٢ مسألة رقم ٢٠١٧ بتحقيق محمد منير الدمشقى الطبعة الأولى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥٢ هـ.
(٥) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.
(٦) البحر الزخار الحامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ ٣ ص ٣٧٧، ص ٣٧٨ الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة ١٣٦٧ هـ سنة ١٩٤٨ م.
(٧) المرجع السابق جـ ٣ ص ٣٨٦ نفس الطبعة.
(٨) المرجع السابق جـ ٣ ص ٣٧٨ نفس الطبعة.
(٩) المرجع السابق جـ ٣ ص ٣٨٨، ص ٣٨٩ نفس الطبعة.