للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ان يقتلوهم فلا بأس لهم أن ينحازوا الى بعض أمصار المسلمين أو الى بعض جيوشهم.

والحكم فى هذا الباب لغالب الرأى وأكبر الظن دون العدد.

فان غلب على ظن الغزاة أنهم يقاومونهم يلزمهم الثبات وان كانوا أقل عددا منهم.

وان كان غالب ظنهم أنهم يغلبون فلا بأس أن ينحازوا الى المسلمين ليستعينوا بهم وان كانوا أكثر عددا من الكفرة، وكذا الواحد من الغزاة ليس معه سلاح مع اثنين منهم معهما سلاح أو مع واحد منهم من الكفرة ومعه سلاح لا بأس أن يولى دبره متحيزا الى فئة.

والأصل فيه قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

وكذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم للذين فروا الى المدينة وهم فيها: أنتم الكرارون، أنا فئة كل مسلم فقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن المتحيز الى فئة كرار وليس بفرار من الزحف فلا يلحقه الوعيد.

[سابعا: الاغاثة من قاطع الطريق ونحوه]

جاء فى بدائع الصنائع أنه يشترط‍ لتحقيق قطع الطريق وما يترتب (١) عليه من اقامة الحد أن يكون ذلك فى مكان لا يلحق فيه الغوث وذلك بأن يكون فى غير مصر فان كان فى مصر لا يجب الحد سواء كان القطع ليلا أو نهارا وسواء كان بسلاح أو غيره، وهذا استحسان وهو قولهما.

والقياس انه يجب الحد وهو قول أبى يوسف.

ووجه القياس أن سبب الوجوب قد تحقق وهو قطع الطريق فيجب الحد كما لو كان فى غير مصر.

ووجه الاستحسان أن القطع لا يحصل بدون الانقطاع والطريق لا ينقطع فى الأمصار وفيما بين القرى، لأن المارة لا تمتنع عن المرور عادة فلم يوجد السبب.

وقيل: انما أجاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى على ما شاهده فى زمانه لأن أهل الأمصار كانوا يحملون السلاح فالقطاع ما كانوا يتمكنون من مغالبتهم فى المصر، والآن ترك الناس هذه العادة فمكنهم المغالبة فيجرى عليهم الحد.

وعلى هذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيمن قطع الطريق بين الحيرة والكوفة أنه لا يجرى عليه الحد لأن الغوث كان يلحق هذا الموضع فى زمانه لاتصاله بالمصر والآن صار ملتحقا بالبرية فلا يلحق الغوث فيتحقق قطع الطريق.

ويشترط‍ كذلك أن يكون بين قطاع الطريق وبين المصر مسافة سفر فان كان أقل من ذلك لم يكونوا قطاع الطريق وهذا على قولهما.

فأما على قول أبى يوسف فليس بشرط‍ ويكونون قطاع الطريق.

والوجه ما بينا فيجب الحد.

وروى عن أبى يوسف فى قطاع الطريق فى المصر انهم أن قاتلوا نهارا بسلاح يقام عليهم الحد.

وان خرجوا بخشب لهم لم يقم عليهم الحد، لأن السلاح لا يلبث فلا يلحق الغوث - أى يأتى


(١) كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاساتى ج‍ ٧ ص ٩٢، طبع مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٢٨ هـ‍.