للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كبرص أبيض في واحد وبرص أحمر أو أسود في غيره أو خيف زيادتها فإنه يعذر من أراد منهما الترك فلها بحساب ما مضى فقط وقيل لا تجوز الأجرة على الرضاع للجهل بكمية رضاعه، ويشكل عليه قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} (١) ويجاب بأن المراد بالأجور العناء، والممنوع عند صاحب هذا القول إنما هو عقد الأجرة على الرضاع، وأما أن ترضع فتعطى عناءها فجائز (٢)، ويجوز للأجير منع ما بيده لأجل الأجرة حتَّى يأخذ أجرته، فللراعى منع الضأن والمعز مثلًا عن أصحابها ولا يخليها تذهب إلى صاحبها حتى يأتيه بالأجرة عند تمام الشهر مثلًا، وأما أن يمنعه لغير ذلك فلا يجوز، وإن منعه لغير ذلك وضاع وإن بلا تضييع ضمنه غير معمول ولا أجرة له، وقيل يجوز حبسه في دين جحده فإن ضاع حسب من دينه، وإذا حبسه حتَّى يأخذ أجرته وتلف بما هو سبب مخلوق أو بتضييع أو تعد أو بما جاء من قبل الله بلا واسطة مخلوق أو تلف ولم يحبسه، فإن تلف بنار أو ماء أو غير ذلك معمولا ضمن قيمته معمولا، وأخذ أجرته لأنَّهُ تلف وهو معمول والعمل نفع لصاحبه، وقيل ضمن قيمته غير معمول لأن عمله لم يتصل بيد صاحبه ولم يخرج من يد عامله بل أبطله عامله فكأنه لم يكن من أول الأمر ولا أجرة له. ولا ضمان إن تلف بأمر غالب كلص وموت وسيل وله أجره ولو حبسه حتَّى يأخذ أجره لأن ذلك مصيبة نزل بصاحبه والأمر الغالب كالحرق والسيل والغصب، وإن تلف قبل العمل ضمنه غير معمول على قول الضمان سواء نوى حبسه أو لم ينوه. وقيل لا يضمنه (٣).

[حكم الامتناع من تسليم العارية]

[مذهب الحنفية]

جاء في بدائع الصنائع أن للمعير أن يرجع في العاريه سواء أطلق العارية أو وقت لها وقتا، وعلى هذا إذا استعار من آخر أرضا ليبنى عليها أو ليغرس فيها ثم بدا للمالك أن يخرجه فله ذلك سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة لما قلنا، غير أنها إن كانت مطلقة كانت له أن يخرجه المستعير على قلع الغرس ونقض البناء لأن في الترك ضررا بالمعير لأنَّهُ لا نهاية له، وإذا قلع ونقض لا يضمن المعير شيئًا من قيمة الغرس والبناء؛ لأنَّهُ لو وجب عليه الضمان لوجب بسبب الغرور ولا غرور من جهته حيث أطلق العقد ولم يوقت فيه وقتا فأخرجه قبل الوقت! بل هو الذي غرر نفسه حيث حمل المطلق على الأبد، وإن كانت مؤقتة فأخرجه قبل الوقت لم يكن له أن يخرجه ولا يجبر على النقض والقلع، والمستعير بالخيار إن شاء ضمن صاحب الأرض قيمة غرسه وبنائه قائما سليما وترك ذلك عليه لأنَّهُ لما وقت للعارية وقتا ثم أخرجه قبل الوقت فقد غره فصار كفيلا عنه فيما يلزمه من العهدة؛ إذ ضمان الغرور كفالة، فكان له أن يرجع عليه بالضمان ويملك صاحب الأرض البناء والغرس بأداء الضمان لأن هذا حكم المضمونات أنها تملك بأداء الضمان، وإن شاء


(١) الآية رقم ٦٥ من سورة الطلاق.
(٢) شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ ٥ ص ١٢٦ وما بعدها إلى ص ١٢٨ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق جـ ٥ ص ١٨١ نفس الطبعة.