للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن المؤجر يملكها بالعقد ولكن لا يستحق استيفاءها الا بالتمكين من العين فان تنازعا فيمن يبدأ به فالحكم فى ذلك حكم البيع واذا كانت الأجرة معينة لم يجز تأجيلها لأن الأعيان لا تقبل التأجيل وملكت فى الحال بنفس العقد كما يملك المستأجر المنفعة به فى اجارة العين ويكون ملك الأجرة ملكا مراعى فكلما مضى جزء من الزمان على السلامة ظهر أن ملك المؤجر قد استقر على ما يقابل ذلك ولا يستقر ملكها كلها الا باستيفاء المنافع كلها أو تفويتها ومتى قبض المكترى العين المكتراة وأمسكها حتى مضت مدة الاجارة استقرت الأجرة عليه وان لم ينتفع ولو لعذر منعه من الانتفاع كخوف أو مرض وذلك لتلف المنفعة تحت يده حقيقة أو حكما، وكذلك لو كان الأجير حرا وسلم نفسه حتى مضت مدة الاجارة استقر له الأجر على مؤجره وان لم يعمل (١) ويتعين محل العقد مكانا لتسليم الأجرة الى المؤجر عينا كانت أم دينا (٢).

[مذهب الحنابلة]

يشترط‍ فى الأجر أن يكون معلوما لأنه عوض فى عقد معاوضة فلزم أن يكون معلوما كالثمن فى البيع ان كان يثبت دينا فى الذمة وكالمبيع ان كان أجرا وأن يكون معلوما بوصفه الكاشف عنه ان كان منفعة وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره والعلم يكون بالرؤية مع الاشارة أو بالصفة وذلك بذكر الجنس والنوع والقدر واذا علم بالمشاهدة وكان ذا أجزاء كالصبرة - أى كونه القمح ونحوه - ولم يعلم قدره ففيه وجهان أشبههما الجواز لأنه عوض معلوم فجازت به الاجارة كما جاز به البيع، والثانى لا يجوز لأن العقد قد ينفسخ بعد تلف الصبرة فلا يدرى بكم يرجع فوجب معرفة القدر لذلك والأول أولى، وكل ما جاز ثمنا فى البيع جاز عوضا فى الاجارة ولذا جاز أن يكون الأجر عينا أو منفعة، واذا كان منفعة جاز أن يكون من جنس المنفعة المعقود عليها كسكنى دار بسكنى دار أخرى وجاز أن يكون من غير جنسها كسكنى دار بزراعة أرض وجازت الاجارة بطعام موصوف ولم تجز الاجارة على سلخ بهيمة بجلدها لأنه لا يدرى أيخرج سليما أم معيبا ثخينا أم رقيقا فان سلخت وجب أجر المثل، ولو استأجر راعيا لرعى غنم بثلث لبنها أو صوفها لم يجز نص عليه أحسد لأن الأجر غير معلوم وليس هذا كدفع دابة الى من يعمل عليها بنصف ربحها لأنه انما جاز تشبيها بالمضاربة لأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط‍ جزء من النماء لمالكها، والأمر فى الغنم ليس كذلك لأن النماء الحاصل فى الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يجز الحاقه بذلك ولكن ان استأجره على رعيها مدة معلومة بنصفها صح لأن العمل والأجر كلاهما معلوم ويكون النماء بينهما بحكم الملك لأنه ملك الجزء الذى جعل أجرا منها فى الحال فكان له نماؤه، واختلفت الرواية عن أحمد فيمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرا وشرط‍ معه طعامه وكسوته فقد روى عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك واسحاق وروى عن أبى بكر وعمر وأبى موسى رضى الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم وروى عنه أيضا أن ذلك انما يجوز


(١) نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ٣٢٢.
(٢) نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ٢٦٣.