للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزام المفلس بانتزاع ما وهبه لولده الصغير أو الكبير قبل افلاسه. أما ما وهبه له بعد افلاسه فهو كالتبرع فلهم رده وأخذه. وان كان المفلس امرأة فليس للدائنين ولا للقاضى اجبارها على الزواج لأجل استيفاء الديون من مهرها. وان تزوجت بعد افلاسها فليس للدائنين أن يأخذوا معجل مهرها، سواء قبل الدخول أو بعده بأيام يسيرة لأنه يلزمها أن تتجهز به للزوج ولا يجوز لها أن تقضى منه دينها. الا اذا كان الدين شيئا يسيرا كالدينار ونحوه وأما ما تداينته بعد دخول زوجها فان مهرها يؤخذ فيه كما فى رواية يحيى عن ابن القاسم. وأما مؤخر الصداق فالظاهر أن للدائنين بيعه فى دينهم لانه لا يلزمها أن تتجهز به للزوج (١).

[مذهب الشافعية]

ان بقى على المفلس شئ من الدين بعد قسمة ماله فلا يلزمه أن يكتسب أو يؤجر نفسه لوفاء ما بقى من الدين، لقوله تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» أمر بانظاره ولم يأمر باكتسابه، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم فى حديث أبى سعيد السابق:

«خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك». وكذلك لا يلزمه قبول الهدية والصدقة لوفاء الدين ولا يلزمه ترك القصاص الواجب له بجناية عليه او على غيره لأجل الأرش، لأنه فى معنى الكسب، وقاعدة الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل فان قيل: يجب الاكتساب فى نفقة القريب مع أن الدين أقوى منها فانها تسقط‍ بمضى الزمان بخلافه كان ذلك مثلها؟. أجيب أن نفقة القريب فيها احياء النفس فلزمه الاكتساب لها كما يلزمه الاكتساب لاحياء نفسه بخلاف الدين. ولا يمكن المفلس من تفويت حاصل فليس له ولا لوارثه العفو عن المال الواجب له بجناية لما فيه من تفويت الحاصل، فيؤمر بتحصيله ويرد عفوه. والأصح أن المفلس يلزم بعد قسمة ماله باجارة العين الموقوفة عليه أو الموصى له بمنفعتها لوفاء بقية الدين لأن منفعة المال مال كالعين، فيصرف يدل منفعتهما للدين. ويؤجر ان مرة بعد أخرى الى البراءة من الدين فان المنافع لا نهاية لها. قال السبكى: أو يؤجران دفعة بأجرة معجلة ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة الى حد لا يتغابن به الناس فى غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة. وقيل: يلزم المفلس اجارة ذلك لأن المنفعة لا تعد مالا حاصلا. وهذا ان لم يشترط‍ الواقف أو الموصى عدم اجارة ذلك. فان شرط‍ شيئا اتبع. ومثل ذلك النزول عن الوظائف ورفع اليد عن الاختصاصات اذا اعتيد النزول عنها بمال فيجبر المفلس على التنازل عنها بمال يدفع لدائنيه. وهذا كله ان كان سبب الدين مباحا وأفلس. أما ان افلس بدين سببه معصية كغصب أو اتلاف مال الغير عمدا فانه يؤمر بالكسب ولو بايجار نفسه كما نقله الأسنوى عن ابن الصلاح واعتمده، لأن التوبة من ذلك واجبة وهى متوقفة فى حقوق الآدميين على الرد (٢).

[مذهب الحنابلة]

اذا قسم مال المفلس الموجود على دائنيه وبقيت عليه بقية من الدين فان كان ذا صنعة أو حرفة كحداد وحائك أجبره القاضى على الكسب أو على ايجار نفسه فى حرفة يحسنها لقضاء ما بقى عليه من الديون. وان كان له صنائع مختلفة أجبره على ايجار نفسه فيما يليق به منها، وذلك لحديث سرق وكان سرق رجلا دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فداينه الناس وركبته الديون، ولم يكن له مال وراءه، فسماه الرسول صلّى الله عليه وسلّم سرفا، وباعه بخمسة أبعرة (٣) ولما كان الحر لا يباع ثبت أنه باع


(١) شرح الخرشى بحاشية العدوى ج ٥ ص ٣١١ - ٣١٢، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج ٣ ص ٢٧٠ - ٢٧١، الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج ٢ ص ١٤٣.
(٢) نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسى ج ٣ ص ٣٢٢ - ٣٢٣ الطبعة السابقة، شرح منهج الطلاب بحاشية البجرمى ج ٢ ص ٣٧٥ - ٣٧٦ الطبعة السابقة، شرح المنهج للمحلى حاشية قليوبى ج ٢ ص ٢٩١ الطبعة السابقة، اسنى المطالب بحاشية الرملى ج ٢ ص ١٩٢ - ١٩٤ الطبعة السابقة، مغنى المحتاج للخطيب ج ٢ ص ١٥٤ - ١٥٥ الطبعة السابقة.
(٣) رواه الدار قطنى بمعناه من رواية خلد بن مسلم الربحى. الا ان فيه كلاما (انظر الشرح الكبير والمغنى ج ٤ ص ٥٠٦.