[التشريع والاجتهاد والمذاهب الفقهية]
تكلم الأصوليون طويلا فى معنى الاجتهاد والتقليد وفى البحوث المتصلة بكل منها، ولا يعنينا من كل هذا هنا إلا أن نقول: أن القول فى دين الله وشرائع الأحكام بمجرد استحسان العقل من غير دليل لا يكون اجتهادا فقهيا ولا تقليدا، وليس إلا القول بالهوى والتشهى وهو الرأى المذموم الذى صان الله منه أئمتنا وأتباعهم، وما أسرف به بعضهم نحو الآخرين لا يحكى الواقع، وما دفع إلى الوقوع فيه إلا الحمية والتسرع.
وأن الأخذ والعمل بقول من ليس قوله من الحجج والأدلة الشرعية تقليد إذا كان ذلك بلا حجة. والأخذ بلا حجة يشمل العمل بقوله، من غير أن يعرف الآخذ من أين قال ذلك، والأخذ بقوله مع الوقوف على حجته، ولكن الآخذ لا يستطيع أن يستقل باستفادة الحكم من هذه الحجة، أما إن كان أهلا لأن يستقل بهذه الاستفادة لم يكن مقلدا، بل يكون موافقا له فى رأيه.
فمتبعو الأئمة من العامة ومن المتفقهة ومن الفقهاء على اختلاف مراتبهم فى التحصيل والقدرة على النظر فى أدلة من اتبعوا، لكنهم لم يصلوا إلى مرتبة الاجتهاد مقلدون لهم.
وأن اتباع كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته واتباع ما علم من الدين بالضرورة، وهو الثابت بنص قطعى أو بإجماع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ليس اجتهادا ولا تقليدا.
أما الاجتهاد فى الشريعة فهو استنفاد الطاقة للوصول إلى الحكم من مصدره الشرعى. ومما أسلفنا فى بيان معنى الفقه عند الأصوليين يعرف من هو أهل الاجتهاد.
والاجتهاد يكون على ضريين: اجتهاد لمعرفة حكم الله، واجتهاد لمعرفة محل العمل بحكم الله المعروف.
والضرب الأول قد يكون راجعا إلى حجية الدليل ذاته، أو إلى ثبوته وطريق الوصول إليه، أو إلى قوته وترجحه على ما يعارضه، أو إلى بقاء الحكم أو نسخه.
وقد يكون راجعا إلى دلالة الدليل وفهمه.
وقد يكون راجعا إلى استنباط حكم ما لم ينطق الشارع بحكمه من معنى ما نطق الشارع بحكمه، وهذا الضرب بأنواعه هو الاجتهاد الفقهى الذى دار الجدل حول أن الزمان لا يخلو من وجوده، أو أنه مما يجوز انقطاعه، لعدم وجود أهله، وحول انقطاعه فعلا ووقت هذا الانقطاع.
أما الضرب الآخر فقد يكون راجعا إلى ما يعبر عنه اليوم بالتكييف، ويكون بالنظر فى الحادثة وتعيين النوع الذى هى منه ليطبق عليها حكمه، فالاجتهاد ليس للوصول إلى معرفة حكم لم يكن معروفا، ولكن لتعيين