للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو فيما ذكره كله لا يجز فى الاقرار فيأخذ منه ما يضر المقر ويترك ما ينفعه .. وانما يعتبره كله كلاما واحدا. ويرتب الحكم على هذا الاساس. فان وصل المقر به ما يبرئ ذمته وعهدته مما اقتضاه أول الكلام عمل به ولم يؤاخذه بشئ على خلاف ما يراه المخالفون فى ذلك كما سبق ايضاحه.

[الرجوع عن الاقرار]

يقول ابن حزم فى ذلك: ولا رجوع للمقر عن اقراره بعد أن يقر اقرارا تاما مستوفيا شروطه فان رجع لم ينتفع برجوعه ولزمه ما أقر به على نفسه من دم او حد أو مال. ثم يقول:

وأما الرجوع عن الاقرار فكلهم متفق على ما قلنا الا فى الرجوع عن الاقرار بما يوجب الحد. فان الحنفية والمالكية قالوا: ان رجع المقر عن اقراره بما يوجب الحد يقبل منه الرجوع ولا يقام عليه الحد ولم يكن عليه شئ. وهذا باطل .. والقوم اصحاب قياس بزعمهم. فهلا قاسوا الاقرار بما يوجب الحد على الاقرار بما يوجب حقا من الحقوق سواه؟ وايضا فان الحد قد لزمه باقراره فمن ادعى سقوطه برجوعه فقد ادعى مالا برهان له به ..

وقد احتجوا بشيئين. أحدهما حديث ماعز.

والثانى قولهم: ان الحدود تدرأ بالشبهات.

والرجوع يورث شبهة فيندرئ الحد بذلك قال على: أما حديث ماعز فلا حجة لهم فيه اصلا لانه ليس فيه أن ماعزه رجع عن الاقرار البتة. لا بنص ولا بدليل ولا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان رجع عن اقراره قبل رجوعه البتة ايضا. فكيف يستحل مسلم أن يموه على أهل الغفلة بخبر ليس فيه شئ مما يزعم؟. وانما روى عن بعض الصحابة انه قال: كنا نتحدث ان ماعزا والغامدية لو رجعا بعد اعترافهما او لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما .. هكذا رويناه من طريق ابى أحمد الزبيرى عن بشير بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه أنه قال هذا القول .. وهذا ظن. والظن لا يجوز القطع به .. وقول القائل لو فعل فلان كذا لفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمرا كذا ليس بشئ اذ لم يفعل ذلك الفلان ولا غيره ذلك الفعل قط‍. ولا قبله الرسول عليه السّلام قط‍ .. وقد قال جابر: أنا أعلم الناس بأمر ماعز. انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلا تركتموه وجئتمونى به». ليستثبت رسول الله صلّى الله عليه وسلم منه .. فاما بترك حد فلا. هذا نص كلام جابر فهو أعلم بذلك .. ولم يرجع ماعز قط‍ عن اقراره. وانما قال: ردونى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان قومى قتلونى وغرونى من نفسى واخبرونى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلى هكذا روينا كل ما ذكرنا من طريق ابى داود. حدثنا عبيد الله ابن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع عن محمد بن اسحاق أن عاصم بن عمر بن قتادة قال: حدثنى حسن بن محمد بن محمد بن على بن ابى طالب أن جابر بن عبد الله قال له:

كل ما ذكرنا على نصه .. فبطل تمويههم بحديث ماعز .. واما ادرؤا الحدود بالشبهات فما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم قط‍ من طريق فيها خبر .. ولا نعلمه ايضا جاء عنه صلّى الله عليه وسلّم لا مسندا ولا مرسلا ..

وانما هو قول روى عن ابن مسعود وعمر فقط‍ ولو صح لكانوا أول مخالف له لان الحنفيين والمالكيين لا نعلم احدا أشد اقامة للحدود بالشبهات منهم .. فالمالكيون يحدون فى الزنا