للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اختلفوا: هل يجب على المجتهد ان يبحث عن مستند الإجماع أو لا يجب عليه ذلك؟

والأكثرون على أنه لا يجب عليه ذلك وأنه إذا وقع الإجماع وجب المصير إليه لأنهم لا يجمعون إلا عن مستند (١).

عدم مخالفة الإجماع لنص

فى الكتاب أو السنة

إذا عارض الإجماع نص من الكتاب أو السنة فعلماء الأصول يختلفون: فمنهم من يقول: أن من شرط‍ الإجماع ألا يكون على خلاف نص فى الكتاب أو فى السنة، ومن ثم لا يعتبرون مثل هذا الإجماع معتدا به لو فرض أنه وقع، وهؤلاء هم الإباضية والظاهرية.

يقول صاحب طلعة الشمس: الشرط‍ الثانى: ألا يكون هناك نص من كتاب أو سنة يخالف ما أجمعوا عليه، فإن الإجماع على خلاف نص الكتاب أو السنة ضلال، ولا تجتمع الأمة على ضلال (٢).

ويفهم من هذا أن المسألة افتراضية على معنى أنه لو فرض وقوع إجماع على خلاف نص من الكتاب أو السنة لما كان هذا الإجماع معتدا به، بل يكون باطلا وضلالا، وذلك لا يتصور أن يكون، فإن الأمة لا تجتمع على الضلال.

وكلام ابن حزم الظاهرى واضح فى إفادة هذا المعنى إذ يقول: إن الإجماع لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها بضرورة العقل: إما أن يجمع الناس على ما لا نص فيه وهو باطل - أى لأنه لا بد للإجماع من مستند كما سبق - وإما أن يكون إجماع الناس على خلاف النص الوارد من غير نسخ أو تخصيص له وردا قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا كفر مجرد، أو يكون إجماع الناس على شئ منصوص، فهذا هو قولنا وهذه قسمة ضرورية لا نحيد عنها أصلا وهو كما ذكرنا، فاتباع النص فرض سواء أجمع الناس عليه، أو اختلفوا فيه لا يزيد النص مرتبة فى وجوب الاتباع أن يجمع الناس عليه ولا يوهن وجوب اتباعه مخالفة الناس فيه، بل الحق حق وإن اختلف فيه والباطل باطل وإن كثر القائلون به، ولولا صحة النص عن النبى صلى الله عليه وسلم بأن أمته لا يزال منهم من يقوم بالحق ويقول به فبطل بذلك أن يجمعوا على باطل، أى على خلاف نص، لقلنا: والباطل باطل وان أجمع عليه ولكن لا سبيل إلى الإجماع على باطل (٣).

وكون الإجماع لا يقع على خلاف النص، هو قدر مسلم به عند الجمهور، لا عند الإباضية والظاهرية فقط‍، نعم إنه ورد فى كتبهم ما قد يفهم منه أن الإجماع قد يعارض النص فيقضى بالإجماع على النص، كقولهم: إن الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكتاب والسنة (٤)، وقولهم: وهو أى


(١) المصدر السابق.
(٢) طلعة الشمس ص ٨٥.
(٣) الأحكام لابن حزم ج‍ ٤ ص ١٤١ مع قليل جدا من التصرف.
(٤) المستصفى للغزلى ج‍ ١ ص ٢١٥.
وحاشية كشف الأسرار لعبد العزيز البخارى ج‍ ٣ ص ٩٨٥.