للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإجماع، مقدم على الكتاب والسنة والقياس (١).

وقولهم: يجب على المجتهد أن ينظر أول شئ إلى الإجماع، فإن وجده لم يحتج إلى النظر فى سواه ولو خالفه كتاب أو سنة علم أن ذلك منسوخ أو متأول لكون الإجماع دليلا قاطعا لا يقبل نسخا ولا تأويلا (٢) لكن هذا محمول عند العلماء على أحد معنيين: إما أن يراد به أن الإجماع محكم فى تفسير المراد من النص كالإجماع على أن الأم تحجب عن الثلث إلى السدس بأخوين مع قوله تعالى: «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» فهذا ظاهره أنه إجماع على خلاف النص لأن الأخوين ليسا بأخوة، ولكن هذا لا يكون مصادما للنص إلا إذا ثبت أن لفظ‍ الاخوة لا ينطلق عن الأخوين، وهذا لم يثبت ثبوتا قاطعا، فالإجماع هنا مفسر لأحد الأمرين الجائز إرادة كل منهما لغة أو استعمالا (٣).

وإما أن يراد به أن الإجماع له مستند آخر غير هذا الدليل المعارض له لأنهم لا يجمعون إلا عن مستند فربما كان الدليل المخالف خبرا ضعيفا أو منسوخا حكمه، ولذلك يقول المقدسى فى روضة الناظر:

الإجماع لا ينعقد على خلاف النص لكونه معصوما عن الخطأ وهذا يفضى إلى إجماعهم على الخطأ، فإن قيل: فيجوز أن يكونوا قد ظفروا بنص كان خفيا هو أقوى من النص الأول أو ناسخ له، قلنا: فيضاف النسخ إلى النص الذى أجمعوا عليه لا إلى الإجماع (٤).

ومن الناس من يرى أن الإجماع يرفع حكم الكتاب والسنة، ونسبه عبد العزيز البخارى إلى بعض مشايخ الحنفية وبعض المعتزلة، ويستدلون على هذا بمسألة الإجماع على حجب الأم بالأخوين مع قوله تعالى: «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» قالوا: إن ابن عباس راجع فيها عثمان فقال له: كيف تحجبها بأخوين وقد قال الله تعالى: «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» والأخوان ليسا بأخوة؟

فقال عثمان: حجبها قومك يا غلام.

فدل ذلك على جواز نسخ الحكم المنصوص عليه بالإجماع، واستدلوا كذلك بأن المؤلفة قلوبهم سقط‍ نصيبهم فى الصدقات بالإجماع المنعقد فى زمان أبى بكر رضى الله عنه، وبأن الإجماع حجة من حجج الشرع موجبة للعلم كالكتاب والسنة فيجوز أن يثبت النسخ به كالنصوص، وقد تقدم ما ردوا به فى مسألة توريث الأم السدس إذا كان معها أخوان، أما الأدلة الأخرى التى استدلوا بها فقد فندها عبد العزيز البخارى بعد ذلك (٥).

وبعض العلماء يرسم الطريق للتخلص من التعارض بين الإجماع والنص، فيقول الزيدية: أن القطعى لا يعارض، لأن مخالفه إما قطعى أو ظنى والكل ممتنع،


(١) الذخيرة ص ١١٠.
(٢) روضة الناظر ج‍ ٢ ص ٤٥٦.
(٣) حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ج‍ ٣ ص ٥٩٥، ٥٩٦.
(٤) روضة الناظر ج‍ ١ ص ٢٢٩، ٢٣٠.
(٥) حاشية عبد العزيز البخارى فى الموضع السابق.