للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا سبيل إلى ذلك إلا فى عصر الصحابة، وأما من بعدهم فلا (١).

ويرد الغزالى فى المستصفى على الذين ينفون إمكان العلم بالإجماع فيقول: «قال قوم لو تصور إجماعهم فمن ذا الذى يطلع عليه مع تفرقهم فى الأقطار، فنقول:

يتصور معرفة ذلك بمشافهتهم إن كانوا عددا يمكن لقاؤهم، وإن لم يكن عرف مذهب قوم بالمشافهة، ومذهب الآخرين بأخبار التواتر عنهم كما عرفنا أن مذهب جميع أصحاب الشافعى منع قتل المسلم بالذمى، وبطلان النكاح بلا ولى، ومذهب جميع النصارى التثليث، ومذهب جميع المجوس التثنية.

فإن قيل: مذهب أصحاب الشافعى وأبى حنيفة مستند إلى قائل واحد وهو الشافعى وأبو حنيفة، وقول الواحد يمكن أن يعلم، وكذلك مذهب النصارى يستند إلى عيسى عليه السلام، أى فى غير التثليث ونحوه من الباطل.

أما قول جماعة لا ينحصرون فكيف يعلم. قلنا: وقول أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى أمور الدين يستند إلى ما فهموه من محمد صلى الله عليه وسلم وسمعوه منه ثم إذا انحصر أهل الحل والعقد فكما يمكن أن يعلم قول واحد أمكن أن يعلم قول الثانى إلى العشرة والعشرين، فإن قيل: لعل أحدا منهم فى أسر الكفار وبلاد الروم، قلنا: تجب مراجعته، ومذهب الأسير ينقل كمذهب غيره، وتمكن معرفته فمن شك فى موافقته للآخرين لم يكن متحققا للإجماع، فإن قيل: فلو عرف مذهبه ربما رجع عنه بعده، قلنا: لا أثر لرجوعه بعد انعقاد الإجماع، فإنه يكون محجوجا به، ولا يتصور رجوع جميعهم، إذ يصير أحد الإجماعين خطأ، وذلك ممتنع بدليل السمع، أى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتى على الخطأ»، ونحوه» (٢).

ويجمل الآمدى الرد عليهم بقوله:

«وطريق الرد عليهم أن يقال: جميع ما ذكرتموه باطل بالواقع، ودليل الوقوع ما علمناه علما لا مراء فيه من أن مذهب جميع الشافعية امتناع قتل المسلم بالذمى، وبطلان النكاح بلا ولى، وأن مذهب جميع الحنفية نقيض ذلك مع وجود جميع ما ذكروه من التشكيكات، والوقوع فى هذه الصور دليل الجواز العادى وزيادة» (٣).

المقام الثالث: إمكان نقل الإجماع

إلى من يحتج به من بعد المجمعين

واختلفوا أيضا فى إمكان ذلك، فمنهم من يقول بالإمكان ومنهم من ينفيه.

قال النافون للإمكان: لو سلمنا إمكان ثبوت الإجماع عند الناقلين له لكان نقله إلى من يحتج به من بعدهم مستحيلا، لأن


(١) ص ٦٨، ٦٩ من إرشاد الفحول للشوكانى.
(٢) المستصفى ص ١٧٤ ج‍ ١.
(٣) ص ٢٨٥ ج‍ ١ من الأحكام للأمدى.