للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو لا يكون وجدانيا، أما الوجدانى فكما يجد أحدنا من نفسه جوعه وعطشه، ولذته وألمه، ولا شك أن العلم باتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليس من هذا الباب، وأما الذى لا يكون وجدانيا فقد اتفقوا على أن الطريق إلى معرفته لا مجال للعقل فيها، إذ كون الشخص الفلانى قال بهذا القول أو لم يقل به ليس من حكم العقل بالاتفاق، ولا مجال أيضا للحس فيها، لأن الإحساس بكلام الغير لا يكون إلا بعد معرفته، فإذن العلم باتفاق الأمة لا يحصل إلا بعد معرفة كل واحد منهم، وذلك متعذر قطعا، ومن ذلك الذى يعرف جميع المجتهدين من الأمة فى الشرق والغرب وسائر البلاد الإسلامية، فإن العمر يفنى دون مجرد البلوغ إلى كل مكان من الأمكنة التى يسكنها أهل العلم، فضلا عن اختبار أحوالهم ومعرفة من أهم أهل الإجماع منهم، ومن ليس من أهله، ومعرفة كونه قال بذلك أو لم يقل به، والبحث عمن هو خامل من أهل الاجتهاد بحيث لا يخفى على الباحث فرد من أفرادهم، فإن ذلك قد يخفى على الباحث فى المدينة الواحدة، فضلا عن الإقليم الواحد، فضلا عن جميع الأقاليم التى فيها أهل الإسلام.

ومن أنصف من نفسه علم أنه لا علم عند علماء الشرق يحمله علماء الغرب وعكسه، فضلا عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل، وبكيفية مذهبه، وبما يقول فى تلك المسألة بعينها، وأيضا قد يحمل بعض من يعتبر فى الإجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف التقية والخوف على نفسه كما أن ذلك معلوم فى كل طائفة من طوائف الإسلام، فانهم قد يعتقدون شيئا إذا خالفهم فيه مخالف خشى على نفسه من مضرتهم.

وعلى تقدير إمكان معرفة ما عند كل واحد من أهل بلد وإجماعهم على أمر، فيمكن أن يرجعوا عنه، أو يرجع بعضهم قبل أن يجمع أهل بلدة أخرى، بل لو فرضنا حتما اجتماع العالم بأسرهم فى موضع واحد، ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة قائلين قد اتفقنا على الحكم الفلانى، فإن هذا مع امتناعه لا يفيد العلم بالإجماع، لاحتمال أن يكون بعضهم مخالفا فيه، وسكت تقية وخوفا على نفسه.

ومن ادعى أنه يتمكن الناقل للإجماع من معرفة كل من يعتبر فيه من علماء الدنيا فقد أسرف فى الدعوى وجازف فى القول لما قدمنا من تعذر ذلك تعذرا ظاهرا واضحا، ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل فإنه قال:

من ادعى الإجماع فهو كاذب.

وجعل الأصفهانى الخلاف فى غير إجماع الصحابة وقال: الحق تعذر الاطلاع على الإجماع إلا إجماع الصحابة حيث كان المجمعون وهم العلماء منهم فى قلة، وأما الآن، وبعد انتشار الاسلام وكثرة العلماء فلا مطمع للعلم به.

قال: وهو اختيار أحمد مع قرب عهده من الصحابة وقوة حفظه وشدة اطلاعه على الأمور النقلية.

قال: والمنصف يعلم أنه لا خبر له عن الإجماع إلا ما يجده مكتوبا فى الكتب، ومن البين أنه لا يحصل الاطلاع عليه الا بالسماع منهم، أو بنقل أهل التواتر الينا،