للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأب والقضاء لولده أو عليه وبالعكس]

مذهب الشافعية (١):

لا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وإن سفل، وقال أبو ثور: يجوز، وهذا خطأ، لأنه متهم فى الحكم لهما كما يتهم فى الحكم لنفسه. وإن تحاكم والد القاضى مع ولد القاضى إليه فقد قال بعض أصحابنا أنه يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبى.

والثانى: أنه يجوز لأنهما استويا فى التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل. وإن أراد أن يستخلف فى أعماله والده أو ولده جاز، لأنهما يجريان مجرى نفسه ثم يجوز أن يحكم فى أعماله، فجاز أن يستخلفهما للحكم فى أعماله. وأما إذا فوض الإمام إلى رجل أن يختار قاضيا لم يجز أن يختار والده أو ولده، لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده.

مذهب الأحناف (٢):

حكم الحاكم لأبوية وزوجته وولده باطل، والمولى والمحكم فيه سواء، وهذا لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة، فكذلك لا يصح القضاء له، بخلاف ما إذا حكم عليه، لأنه تقبل شهادته عليه لانتفاء التهمة، فكذا القضاء.

مذهب المالكية (٣):

لا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له كأبيه وابنه، وجاز أن يحكم عليه.

مذهب الحنابلة (٤):

ليس لمن ولاه الإمام تولية القضاة أن يولى نفسه ولا والده ولا ولده.

الأب وشهادته لولده وعليه والعكس

مذهب الشافعية (٥):

ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا. وقال المزنى وأبو ثور. تقبل، ووجهه قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} (٦)» فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم فى العدالة فكانوا كغيرهم فى الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة».

والظنين: المتهم، وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع، ولأن الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «يا عائشة إن فاطمة بضعة منى، يريبنى ما يريبها».

ولأن نفسه كنفسه، وماله كماله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لأبى معشر الدارمى:

«أنت ومالك لأبيك» وقال عليه الصلاة والسلام «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه» ولهذا يعتق عليه إذا ملكه، ويستحق عليه النفقة اذا احتاج، والآية نخصها بما ذكرناه.

والاستدلال بأنهم كغيرهم فى العدالة يبطل بنفسه، فإنه كغيره فى العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر فى جميع الحقوق. ومن أصحابنا من


(١) المهذب ج‍ ٢ ص ٣٠٩.
(٢) الهداية ج‍ ٣ ص ٨٧.
(٣) الشرح الصغير ج‍ ٢ ص ٣١١.
(٤) كشاف القناع ج‍ ٤ ص ١٧٢.
(٥) المهذب ج‍ ٢ ص ٣٤٧.
(٦) سورة البقرة: ٢٨٢.