للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منافعه. اذا المنافع تجرى مجرى الاعيان فى صحة العقد عليها وثبوت الغنى بها، فكذلك فى وفاء الدين منها، ولأن الاجارة عقد معاوضة فجاز اجبار المفلس عليها لقضاء دينه منها كبيع ماله.

ولا يعارض هذا قوله تعالى: «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» لعدم دخول ذى الصنعة والمحترف تحت عمومها فانه فى حكم الأغنياء فى حرمان الزكاة وسقوط‍ نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه. كما لا يعارضه حديث «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك» لأنه قضية عين لا يثبت حكمها الا فى مثلها ولم يثبت أنه كان لذلك المديون حرفة يتكسب بها ما يفضل عن قدر نفقته ودعوى فسخ حديث سرق لا دليل عليها. اذا لم يثبت أن بيع الحر كان جائزا فى شريعتنا - فحمل لفظ‍ بيعه على بيع منافعة أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم فان حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه شائع وكثير فى القرآن وفى كلام العرب قال تعالى: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (١) أى أهل القرية وهذا هو الصحيح وهو احدى الروايتين فى المذهب.

الرواية الثانية: ان المفلس لا يجبر على ذلك لما ذكر من الآية والحديث. ولأن هذا تكسب للمال فلا يجبر عليه ويجبر المفلس على ايجار موقوف عليه يستغنى عنه، لأنه قادر على وفاء دينه منه فلزمه كمالك ما يقدر على الوفاء منه ويظل الحجر على المفلس مدة اجارة نفسه أو الموقوف عليه حتى يوفى دينه أو يحكم القاضى بفكه عنه.

وان وهب هبة بشرط‍ العوض ثم أفلس فبذل له العوض لزمه قبوله ولم يكن له اسقاطه لأنه يأخذه على سبيل العوض عن الموهوب فلزمه قبوله كالثمن فى المبيع. ولا يجبر المفلس على الزواج اذا بذلت له امرأة مالا ليتزوجها عليه. كما لا يجبر على خلع أو طلاق زوجته على مال يوفى منه دينه سواء كان البازل لهذا المال الزوجة أم غيرها لما فى ذلك من تضرره بتحريم زوجته عليه وقد يكون ميالا اليها.

ولا تجبر المرأة المفلسة على تزويج نفسها لمن يرغب فى زواجها لتأخذ مهرها وتوفى منه دينها لأنه يترتب على الزواج من الحقوق ما قد تفجر عنه. ولا يجبر المفلس أيضا على قبول هبة أو وصية أو قرض أو هدية أو صدقة حتى ولو كان المتبرع بذلك ابنا له لما فيه من الضرر عليه بتحمل المنة التى تأباها نفوس ذوى المروءات. ولا يملك القاضى قبض ذلك عن المديون ووفاء دينه منه بدون اذن لفظى أو عرفى من المديون لأنه لا يملك اجباره على ذلك فلم يملك فعله عنه. وكذلك لا يجبر المفلس على أخذ دية عن قصاص وجب له بجناية عليه أو على مورثه، لأن ذلك يفوت المعنى الذى شرع لأجله القصاص. ثم ان اقتصى فلا شئ للدائنين. وان عفا على مال ثبت وتعلقت حقوق الدائنين به أما ان عفا مطلقا أو بدون مال ففى رواية تثبت الدية ولم يصح اسقاطه لها، لأن عفوه عن القصاص يثبت له الدية ولا يصح اسقاطها. وفى رواية أخرى لا يثبت شئ. ولا يجبر المفلس على رد مبيع لعيب أو خيار شرط‍ ونحوه، ولا على امضائه ولو كان فى ذلك مصلحته (٢).

[مذهب الظاهرية]

قال ابن حزم: يجبر المفلس على أن يؤجر نفسه لقضاء دين دائنيه ان كان قادرا على ذلك بالاجارة لأن ترك من ثبت افلاسه لا يؤاجر لدائنيه مطل وظلم لا يجوز. وهو مفترض عليه انصاف دائنيه واعطاؤهم حقهم فان امتنع من ذلك وهو قادر عليه بالاجارة أجبر عليه (٣). وقوله تعالى: «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» ولا يمنع من استئجاره بل يوجب ذلك لأن الميسرة لا تكون الا بأحد وجهين: اما بسعى واما بلا سعى. وقد قال سبحانه: «فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} (٤)». فنحن نجبر المفلس على ابتغاء فضل الله


(١) الاية رقم ٨٢ من سورة يوسف.
(٢) كشاف القناع شرح المنتهى بهامشه ج ٢ ص ١٥٠ - ١٥١، ٢١٩ - ٢٢٠ الطبعة السابقة المغنى والشرح الكبير ج ٤ ص ٤٩٨، ٥٠١، ٥٠٥، ٥٠٧ الطبعة السابقة.
(٣) المحلى ج ٨ ص ٦٣٠ - ٦٣١ مسألة رقم ١٢٧٦، ١٢٧٧.
(٤) الاية رقم ١٠ من سورة الجمعة.