للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقياسا على ذلك أجاز الحنفية التخيير فى الاجارة بين عينين أو ثلاث لا أكثر استحسانا كأن يقول أجرتك احدى هاتين الدارين بعشرة جنيهات لكل منهما شهريا أو هذه بعشرة والأخرى بتسعة كما أجازوا التخيير فيها بين مسافتين مختلفتين بأجرين مثل أجرتك هذه الدابة الى قليوب بخمسين قرشا أو الى امبابة بعشرين قرشا أو بين عملين كأجرتك لخياطة هذا الثوب بعشرة قروش أو هذا الثوب بخمسة عشر قرشا لا يزيد فى ذلك على أن يخيره بين ثلاثة ووجه جواز ذلك أن المؤجر خير المستأجر بين عقدين معلومين فى محلين متقومين ببدلين معلومين فكان له قبول أحد العقدين كما لو قال له ان رددت بعيرى من موضع كذا فلك خمسة قروش وان رددته من موضع كذا فلك عشرة قروش وكما لو قال له ان سرت بدابتى هذه الى موضع كذا فبثلاثين قرشا وان سرت عليها الى موضع كذا فبثلاثين درهما والمسافة واحدة وقد أجازوا هذا التخيير فى الاجارة دون خلاف بينهم فى عدم اشتراط‍ الخيار فى العقد معه وعدم اشتراط‍ التوقيت بخلاف البيع لأن باب الاجارة أوسع من باب البيع وكذلك أجازوا التخيير فى صفة العمل كأن يقول المؤجر ان خطت هذا الثوب بصفة كذا فلك عشرة دراهم وان خطته بصفة كذا فلك عشرون درهما كما أجازوا التخيير فى الصباغة مثل أن يقول ان صبغت هذا الثوب بكذا فلك عشرون قرشا وان صبغته بكذا فلك خمسة وعشرون فكل ذلك جائز عند الحنفية لا ضير فيه لأن الجهالة فيه لا تفضى الى منازعة وانما يفسد العقود من الجهالة ما يفضى الى المنازعة وخالف زفر فى ذلك فذهب الى فساد العقد لما فيه من الجهالة.

ولو قال المؤجر للمستأجر أجرتك هذه الدار شهرا على أنك ان عملت فيها حدادة فباربعة جنيهات وان سكنتها فبثلاثة فالاجارة جائزة فى قول أبى حنيفة خلافا لصاحبيه، وجه قولهما ان الأجر لا يجب بالانتفاع فعلا وانما يجب بالتمكين والتخلية وعند ذلك لا يدرى أيستعملها للحدادة أو للسكنى فكان البدل مجهولا بخلاف ما اذا كانت الاجارة على العمل اذ يجب الأجر به وعند البدء فيه يتعين فيتعين الأجر عندئذ وترتفع الجهالة ووجه قوله أن التخيير فى هذا العقد بين منفعتين معلومتين فيجوز كما فى التخيير بين عملين والغالب هو تعيين احدى المنفعتين عند التمكين والتخلية فكان المدار على الغالب على أنه لا جهالة فى الأجرة عند التمكين اذا لم تعين المنفعة اذ الواجب حينئذ أقل البدلين وعلى هذا الخلاف كل ما كان أجره يجب بالتسليم ولا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو فاسد عندهما صحيح عنده وأى المنفعتين استوفى وجب أجرها واذا امسك الدار ولم ينتفع حتى مضت المدة فعليه أقل المسميين واذا خير فى العامل فقال ان خطته أنت فالأجر عشرون وان خاطه تلميذك فالأجر خمسة عشر فهو جائز وقد تقدم حكم ما اذا ردد فى الأجر فى زمنين (١).

[مذهب المالكية]

جاء فى الحطاب ان أجرت خياطا يخيط‍ لك ثوبا على أنه ان خاطه اليوم فبدرهم وان


(١) البدائع ج‍ ٤ ص ١٨٥، ١٨٦.