للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لانه بذل جهده على حسب ما أمر به، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وان أصاب فله أجران.

فعلى هذا يجب على أهل العصر تفقد مذاهبهم، فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به، ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه، لكنه قد يقل وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعلم هذا فى مذهبه الا من عرف القواعد والقياس الجلى والنص الصريح وعدم المعارض، لذلك، وذلك يعتمد أصول الفقه والتبحر فى الفقه، فان القواعد ليست مستوعبة فى أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد فى كتب أصول الفقه أصلا، وذلك هو الباعث لى على وضع هذا الكتاب، لا ضبط‍ تلك القواعد بحسب طاقتى، ولاعتبار هذا الشرط‍ يحرم على أكثر الناس الفتوى، فتأمل ذلك، فهو أمر لازم، وكذلك كان السلف رضى الله عنهم متوقفين فى الفتيا توقفا شديدا.

وقال مالك: لا ينبغى للعالم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا لذلك، ويرى هو نفسه أهلا لذلك، يريد تثبيت أهليته عند العلماء، ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء فى حقه من الاهلية، لانه قد يظهر من الانسان أمر على ضد ما هو عليه، فاذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين فى ذلك، وهذا هو شأن الفتيا فى الزمن القديم.

وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم، وأن يقول أحدهم لا يدرى، فلا جرم آل الحال للناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال.

[مذهب الشافعية]

جاء فى المجموع: (١) قالوا وينبغى أن يكون المفتى ظاهر الورع مشهورا بالديانة الظاهرة والصيانة الباهرة، وكان مالك رحمه الله يعمل بما لا يلزمه الناس، ويقول: لا يكون عالما حتى يعمل فى خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس مما لو تركه لم يأثم، وكان يحكى نحوه عن شيخه ربيعة.

وشرط‍ المفتى أن يكون مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط‍ متيقظا، سواء فيه الحر والعبد والمرأة والاعمى والاخرس اذا كتب أو فهمت أشارته.


(١) المجموع شرح المهذب للنووى وبهامشه فتح العزيز شرح الوجيز ج‍ ١ ص ٤١ وما بعدها الطبعة السابقة.