للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وللمتساهل حالتان.

احداهما: أن يتساهل فى طلب الادلة وطرق الاحكام، ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر، وهذا مقصر فى حق الاجتهاد، ولا يحل له أن يفتى، ولا يجوز.

والثانية: أن يتساهل فى طلب الرخص وتأول السنة، فهذا متجوز فى دينه وهو آثم من الاول.

وجاء فى الحطاب: (١) قال ابن فرحون من الصفات التى ينبغى أن يتصف بها المفتى أن لا يتساهل فى الفتوى، ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى، والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الاسراع براعة والابطاء عجز، ولان يبطئ ولا يخطئ اجمل به من أن يعجل فيضل ويضل، وقد يكون تساهله بأن تحمله الاغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة بالتمسك بالشبه، طلبا للحرص على من يروم نفعه أو التغليظ‍ على من يروم ضرره.

قال ابن الصلاح: ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، قال: وأما اذا صح

قصد المفتى، واحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها ولا يجر الى مفسدة، ليخلص بها المفتى من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل.

وقال القرافى: اذا كان فى المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغى للمفتى أن يفتى العامة بالتشديد والخواص وولاة الامور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة فى الدين والتلاعب بالمسلمين، وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى واجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقريب الى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين والحاكم كالمفتى فى هذا انته.

وفى الفروق للقرافى: (٢) أن كل شئ أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى، فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه، وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا اذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد، فلا نقره شرعا، والفتيا بغير الشرع حرام، فالفتيا بهذا الحكم حرام، وان كان الامام المجتهد غير عاص به بل مثابا عليه،


(١) مواهب الجليل بشرح مختصر سيدى خليل المعروف بالحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج‍ ٦ ص ٩١، ٩٢ الطبعة السابقة.
(٢) الفروق للقرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية ج‍ ٢ ص ١٠٩، ١١٠ الطبعة السابقة.