للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم افتداء العبد فى حال جنايته]

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع الصنائع (١): عند الكلام على القتل الخطأ: أنه إذا كان المقتول حرا أجنبيا والقاتل عبدا قنا، وظهرت جنايته بالبينة أو إقرار المولى أو علم القاضى، فإن العبد يدفع إلى ولى المقتول، إلا أن يختار المولى الفداء، وهذا عندنا.

وذلك لإجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم، فإنه روى عن سيدنا على وعن عبد الله بن العباس رضى الله تعالى عنهما مثل ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل الإنكار عليهما من أحد، فيكون إجماعا منهم، فصفة الحكم هو صيرورة العبد واجب الدفع على سبيل التعيين

سواء كثرت قيمة العبد أو قلت.

وعند اختيار المولى الفداء ينتقل الحق من الدفع إلى الفداء. سواء كان المجنى عليه واحد أو أكثر.

غير أنه إن كان واحدا دفع إليه ويصير كله مملوكا له. وإن كانوا جماعة يدفع اليهم وكان مقسوما بينهم على قدر أروش جنايتهم.

وسواء كان على العبد دين وقت الجناية أو لم يكن.

فاذا مات العبد الجانى قبل اختيار الفداء بطل حق المجنى عليه أصلا، لأن الواجب دفع العبد على طريق التعيين وذلك لا يتصور بعد هلاكه العبد فيسقط‍ الحق أصلا ورأسا وذا يدل.

أما لو مات العبد بعد أن اختار المولى الفداء فإن المولى لا يبرأ بموت العبد، لأنه لما اختار الفداء فقد انتقل الحق من رقبته إلى ذمة المولى، فلا يحتمل السقوط‍ بهلاك العبد بعد ذلك.

ولو كانت (٢) قيمة العبد أقل من الدية فليس على المولى إلا الدفع، لأن وجوب الدفع حكمه لهذه الجناية ثبت بإجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم يفصلوا بين قليل القيمة وكثيرها.

فلو جنى العبد على جماعة فإن شاء الولى دفعه إليهم لأن تعلق حق المجنى عليه للأول لا يمنع حق الثانى والثالث.

واذا دفعه إليهم كان مقسوما بينهم بالحصص قدر أروش جنايتهم.

وإن شاء المولى أمسك العبد وغرم الجنايات بكمال أروشها. ولو أراد المولى أن يدفع من العبد إلى بعضهم مقدار ما يتعلق به حقه ويفدى بعض الجنايات فله ذلك.

ولو جنى العبد على واحد وله وليان فأراد المولى أن يدفع العبد إلى أحدهما وان يدفع الفداء إلى الآخر فليس له ذلك، لأن الجناية واحدة ولها حكم واحد، وهو، وجوب الدفع على التعيين.


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٧ ص ٢٥٧ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج ٧ ص ٢٥٩ الطبعة السابقة.