للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو الخطاب: لا يحنث لأنه ليس بكلام قال الله تعالى لمريم عليها السّلام:

«فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» (١).

وأما قوله تعالى: {قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ٢».

فهو استثناء منقطع (٣).

[مذهب الظاهرية]

جاء فى المحلى أن يمين الأبكم واستثناءه لازمان على حسب طاقته من صوت يصوته أو اشارة ان كان مصمتا لا يقدر على أكثر لما ذكر من أن الايمان اخبار من الحالف عن نفسه والأبكم والمصمت مخاطبان بشرائع الاسلام كغيرهما.

وقد قال الله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» (٤).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

فوجب عليهما من هذه الشريعة ما استطاعاه وان يسقط‍ عنهما ما ليس فى وسعهما وأن يقبل منهما ما يخبران به عن أنفسهما حسب ما يطيقان ويلزمهما ما التزماه (٥).

ولو حلف لا يكلم فلانا فأوصى اليه أو كتب اليه لم يحنث لأنه لا يسمى الكتاب ولا الوصية كلاما.

وكذلك لو أشار اليه قال الله عز وجل: «آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» «فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» الى قوله تعالى: «فَأَشارَتْ إِلَيْهِ».

فصح أن الاشارة والايماء ليسا كلاما (٦).


(١) الآية رقم ٢٩/ ٢٦ من سورة مريم.
(٢) الآية رقم ٤١ من سورة آل عمران.
(٣) كشاف القناع عن متن الاقناع ج ٤ ص ١٥٣ الطبعة الأولى.
(٤) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.
(٥) المحلى لابن حزم ج ٨ ص ٤٨ مسئلة رقم ١١٣٨ الطبعة الأولى طبع مطبعة المنيرية سنة ١٣٥٠ هـ‍
(٦) المرجع السابق ج ٨ ص ٥٦ المسئلة رقم ١١٥٢ الطبعة المتقدمة.