للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اذا طلبهم لادائها من له دخل فى ذلك ولو لم يتحملوها. وإن ادعى المديون الافلاس وادعى الدائن يساره طالب القاضى كلا منهم ببينة وحكم بما صح عنده منهما. وقيل: إن كان المدين الذى عليه مما له بدل فهو مدع فى الافلاس لا بد له من اثباته بالبينة. وإن كان مما لا عوض له ولا بدل كالصداق والجرح فالقول قوله مع يمينه على ما ذكر فان ادعى الدائن ان له مالا كلفه القاضى بيانه. وان لم يدع الدائن ذلك سأل القاضى عن حاله.

وسيأتى فى حبس المفلس تمام هذا الموضوع. وان لم يثبت المفلس افلاسه فلا يمين له على الدائن ان جحد الافلاس، قال صاحب شرح النيل: والذى عندى انه يكون له تحليف الدائن اليمين على علمه بما جحده فيحلف الدائن والله ما علمت انه مفلس (١).

تصرفات المفلس قبل الحكم

بأفلاسه والحجر عليه

[مذهب الحنفية]

المفلس قبل الحكم بافلاسه والحجر عليه أهل لكل التصرفات الشرعية من البيع والشراء والهبة والصدقة والاقرار وغيره حتى لو فعل شيئا من ذلك نفذ ولا يملك دائنوه ولاية منعه من ذلك ولا ابطاله بعد صدوره منه وسواء فى كل ذلك كان المفلس محبوسا لأجل دين الدائنين أم لا، لأن الحبس لاجل ذلك لا يوجب بطلان أهليته للتصرفات (٢).

[مذهب المالكية]

المفلس الذى أحاط‍ الدين بماله - أى زاد عليه أو ساواه - له ثلاث أحوال الأولى: قبل قيام الدائنين عليه وقبل تفليسه والحجر عليه فلا يجوز له فى هذه الحالة التصرف فى ماله بغير عوض فيما لا يلزمه مما لم تجر العادة بفعله من هبة وصدقة ووقف وقرض وما اشبه ذلك. وكذلك لا يجوز اقراره بدين لمن يتهم فى اقراره له كابن وأخ وزوجة يميل اليها وصديق ملاطف فللدائنين منعه من ذلك على المختار والأصح. كما لا يجوز له ان يعطى كل ما بيده من مال لبعض الدائنين دون البعض، ومثل اعطاء الكل ما اذا بقى فى يده فضلة من المال لا يعامله الناس عليها. وكذلك لا يجوز له ان يعجل لاحد الدائنين دينه قبل حلول أجله لأن من عجل ما أجل يعتبر مقرضا، والقرض من جملة التبرعات فيرد كل ما أعطاه لهذا الدائن. وقال بعضهم: لا يرد كل ما أعطاه له بل بعضه لأن قيمة الدين المؤجل أقل من قيمته معجلا، فالزائد على قيمته مؤجلا هبة ترد اتفاقا كما يمنع من التزوج بأكثر من امرأة واحدة على المختار، لأنها تعفه عادة. واذا فعل شيئا من ذلك كان لاصحاب الديون الحالة ابطاله وقت ان يعلموا به ولو بعد طول زمان، أما ما جرت العادة به ككسرة خبز لسائل وأضحية ونفقة عيدين، أو كان واجبا عليه كنفقة ابنه وأبيه المعدمين دون سرف فى الجواز فانه جائز ولا يمنع منه .. كما لا يمنع من تصرفاته المالية كالبيع والشراء بدون غبن ونحوهما من كل ما فيه تنمية المال وكذا الهبة بشرط‍ العوض، والاقرار بدين لمن لا يتهم فى اقراره له. وكذلك لا يمنع من اعطاء بعض ما بيده من مال لدائن حل دينه بشرط‍ ان يكون البعض الباقى يصلح للمعاملة عليه. كما لا يمنع من رهن بعض ماله لبعض دائنيه فى معاملة حادثة بعد احاطة الدين بماله او قبلها ولا يمنع أيضا من الزواج بامرأة واحدة، بشرط‍ ان تكون ممن تشبه نساءه، وأن يصدقها صداق مثلها فان أصدقها أكثر من صداق مثلها فللدائنين الزائد يرجعون عليها به حتى ولو كان الزائد ما زال دينا لها عليه. اما الحج فان كان تطوعا فيمنع منه من أحاط‍ الدين بماله اتفاقا، وكذا ان كانت حجة الفريضة على المختار لأن ماله الآن للدائنين. وسواء فى كل هذا كان صاحب الدين واحدا أو متعددا، وسواء كان دينه حالا أو مؤجلا. وهذا كله فيما اذا علم يقينا احاطة الدين بمال المديون. أما من شك فى احاطة الدين بماله فلا يمنع من شئ من ذلك.

وكذلك لا يمنع من ذلك ان ادعى اليسار الا بعد


(١) شرح النيل ج ٧ ص ١٦٦، ١٦٧، ١٧٩، ١٧٠.
(٢) بدائع الصنائع ج ٧ ص ١٧٤.