للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين ولا نفع للورثة فيه. أما الميت فلحديث «الميت مرتهن بدينه حتى يقضى عنه» وأما صاحبه فيتأخر حقه وقد تتلف العين فيسقط‍ حقه وأما الورثة فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط‍ حظ‍ الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم.

وقد اختار الخرقى الرواية الأولى ووافقه على ذلك ابن قدامة مستدلا بقوله: ولنا أن الموت لا يوجب حلول ما عليه اذ الموت ما جعل مبطلا الحقوق إنما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «من ترك حقا أو مالا فلورثته» فعلى هذا يبقى الدين فى ذمة الميت كما كان ويتعلق بعين ماله كتعلق حق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه فإن أحب الورثة أداء الدين والتزامه للغريم ويتصرفون فى المال لم يكن لهم ذلك إلا أن يرضى الغرماء أو يوثق الحق بضمين ملئ أو رهن يثق به - الغريم - لوفاء حقه. وذكر القاضى أن الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت مورثهم من غير أن يشترط‍ التزامهم له ولا ينبغى أن يلزم الإنسان دين لم يلتزمه ولم يتعاط‍ سببه ولو لزمهم ذلك لموت مورثهم للزمهم.

وإن لم يخلف وفاء.

ثم قال: وإن مات مفلس وله غرماء بعض ديونهم مؤجلة وبعضها حالة وقلنا المؤجل يحل بالموت تساووا فى التركة فاقتسموها على قدر ديونهم وإن قلنا لا يحل بالموت نظرنا. فإن وثق الورثة لصاحب المؤجل اختص أصحاب الحال بالتركة وإن امتنع الورثة من التوثيق حل دينه وشارك أصحاب الحال كى لا يفضى إلى إسقاط‍ دينه بالكلية.

[مذهب الظاهرية]

يقول ابن حزم الظاهرى (١): وكل من مات وله ديون على الناس مؤجلة أو للناس عليه ديون مؤجلة فكل ذلك سواء، وقد بطلت الآجال كلها وصار كل ما عليه من دين حالا سواء فى ذلك كله القرض والبيع وغير ذلك. واستدل على ذلك بقوله تعالى «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها» وقوله عليه الصلاة والسلام «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وقوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» فصح أن بموت الإنسان بطل حكمه عن ماله وانتقل إلى ملك الغرماء والموصى لهم ووجوه الوصايا والورثة ورغبة الغرماء فى تأجيل ما عليهم أو تأجيل ما على الميت إنما كان بلا شك بينهم دين المتوفى إذ كان حيا وقد انتقل الآن المال عن ملكه إلى ملك غيره فلا يجوز كسب الميت عليهم فيما قد سقط‍ ملكه عنه ولا يحل للغرماء شئ من مال الورثة والموصى لهم والوصية بغير طيب أنفسهم فبطل حكم التأجيل فى ذلك ووجب للورثة وللوصية أخذ حقوقهم وكذلك لا يحل للورثة امساك مال غريم منهم إلا بطيب نفسه لأن عقده إنما كان مع المتوفى إذ كان حيا فلا يلزمه أن يبقى ماله بأيدى ورثته لم يعاملهم قط‍ ولا يحل لهم إمساك مال الذى له الحق عنه والله تعالى لم يجعل لهم حقا ولا للوصية إلا بعد إنصاف أصحاب الديون. وروى بسنده إلى الشعبى والنخعى أنهما قالا: من كان له دين إلى أجل فإذا مات فقد حل كما روى عن الحسن البصرى أنه كان يرى الدين حالا اذا مات وعليه دين.


(١) المحلى ج‍ ٨ ص ٩٩ وكذا ص ٢٠٢ مطبعة الإمام.