للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القبول بالإيجاب من قيام أو كلام أو اشتغال بأى عمل يترتب عليه ذلك عرفا، وكما فى الزواج إذا أقترن بقبول الزوج ما يوجب بطلان العقد من ردة أو فعل يوجب حرمة المصاهرة، كذلك يحدث الإبطال بعد التمام. غير أن ذلك لا يتصور فى الأفعال الشرعية كالصلاة والصيام والحج إذ بعد تمامها لا يمكن أن يلحق بها ما يبطلها، لأنها وقعت على وفق طلب الشارع مجزئة وبرأت منها الذمة، فلا تشغل بها مرة أخرى.

ولكنه يحدث فى التصرفات … فقد ذكروا أن الوقف يبطل بردة الواقف بعد تمامه، وأن الوصية تبطل برجوع الموصى عنها، وأن التوكيل يبطل بعدول الموكل عنه بشرط‍ وصول الخبر إلى الوكيل، وأن العارية تبطل برجوع المعير عنها، وأن البيع يبطل بخيار العيب وبخيار الرؤية عند إرادة الرد بهما، وأن الهبة تبطل برجوع الواهب فيها بشرط‍ رضا الموهوب له أو قضاء القاضى، والمسائل من هذا النوع كثيرة عديدة يخطئها الحصر.

ولكن الملاحظ‍ أن التعبير عن الابطال بعد التمام فى أكثر الحالات والمواضع يكون بالفسخ، وقد يستعمل لفظ‍ الإبطال، ولكن التعبير الأول أكثر استعمالا، ويندر أن يعبر عن الإبطال الحادث فى أثناء العمل بالفسخ وإذا عبر عنه بذلك كان من قبيل التجوز فى التعبير.

ففى الإقالة قالوا إنها فسخ فى حق المتعاقدين عقد جديد فى حق غيرهما، وفى العقد غير اللازم قالوا أنه ما يستبد أحد العاقدين بفسخه وفى الرجوع فى الهبة من الواهب قالوا إذا رجع الواهب فى هبته بقضاء أو رضا كان فسخا لعقد الهبة وإعادة لملكه لا هبة جديدة، وفى خيار العيب قالوا إن الرد بخيار العيب قبل القبض يعد فسخا كالرد بخيار الرؤية أو بخيار الشرط‍ (١) وهكذا، كما عبروا فى مثل هذه المواضع بالإبطال (٢).

وأذن فالفرق بين الإبطال والفسخ أن الإبطال أعم من الفسخ، فالإبطال كما يكون فى أثناء المباشرة يكون بعد التمام والفسخ لا يكون ألا بعد التمام، فكل فسخ أبطال، وليس كل إبطال فسخا، وذلك ما يشعر به ويدل عليه لفظ‍ الفسخ لغة (٣)، فهو فيها النقض والتفريق، فقول العرب فسخت الشئ فرقته، وفسخت المفصل عن موضعه أزلته، وتفسخ الشعر عن الجلد، وليس يكون ذلك إلا عند إتصال شيئين فتفرق بينهما (أنظر مصطلح فسخ).

[أسباب الابطال]

تبين مما سبق أن الابطال هو جعل العمل أو التصرف باطلا، وإنما يكون ذلك ممن يباشر العمل بالنسبة للأفعال الشرعية أو ممن له شأن فى التصرف بالنسبة للتصرفات بناء على ثبوت الحق له فى ذلك شرعا تطبيقا لحكم شرعى، وعلى ذلك لا يكون الابطال


(١) الدر المختار ج‍ ٤ ص ٩٦.
(٢) أرجع الى ابن عابدين ج‍ ٤ ص ٨٠ من باب خيار العيب.
(٣) المصباح المنير والقاموس والاساس فى مادة فسخ.