للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا بسبب مبطل شرعا، أى بسبب رتب الشارع عليه حكم الإبطال عند تحققه، فما لا يبطل به العمل أو التصرف شرعا لا يصلح سببا للإبطال، وإذا جعل سببا للإبطال لم يترتب عليه، وبناء على ذلك لا يملك المصلى أو الصائم أو الحاج أن يبطل صلاته أو صيامه أو حجه إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فلا يملك المصلى أن يبطل صلاته بنظره إلى السماء عند صلاته أو بقيامه على رجل واحدة، ولا يستطيع الصائم أن يبطل صيامه بأكله ناسيا، ولا يستطيع الحاج أن يبطل حجه بلبس مخيط‍ فى إحرامه. إذ أن الشارع لم يرتب على شئ من ذلك بطلان العمل، وليس لإرادة المصلى أو الصائم أو الحاج سلطان فى ذلك، بل الحكم فيه للشارع.

ومما يجب ملاحظته أن أقدام المكلف على أبطال عمله المتطوع به فى غير حج وعمرة بغير عذر مكروه، فإذا أبطله لزمه أعادته عند أبى حنيفة ومالك لقوله تعالى:

«وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} (١)» فقد أمر بعدم أبطالها، فوجبت بالشروع فيها، وذلك ما يستوجب الاستمرار فيها وحرمة إبطالها بغير عذر ووجوب قضائها إذا أبطلها مطلقا.

وذهب الشافعى وأحمد (٢) إلى استحباب اتمامه، وإذا أبطله لم يلزمه قضاؤه. والمراد فى الآية بابطالها ابطال ثوابها بالمن أو الرياء والشروع فى التطوع لا يغير حقيقته وحكمه أما الحج والعمرة فيجب المضى فيهما وإعادتهما عند إبطالهما.

وذهب الشيعة الإمامية إلى عدم جواز إبطال الصلاة اختيارا من غير عذر، وإلى أنها تصير واجبة بالشروع فيها (٣).

وكذلك بالنظر إلى التصرفات الشرعية لا يستطيع ذو الشأن أن يبطلها إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فالتصرف اذا كان غير لازم بالنسبة إلى طرفيه كالعارية والوكالة والشركة والوديعة يكون لكل عاقد حق أبطاله أو فسخه بإرادته المنفردة دون أن يتوقف ذلك على رضا الطرف الآخر، وإذا كان لازما بالنسبة إلى أحد طرفية غير لازم بالنسبة إلى الطرف الأخر كالرهن والكفالة كان لمن لا يلزم العقد بالنسبة له فقط‍ أن يبطله بإرادته المنفردة، فكان للمرتهن هذا الحق دون الراهن، وكان للمكفول له هذا الحق دون الكفيل. أما الراهن أو الكفيل فليس له الإبطال إلا برضا المرتهن أو المكفول له، وإذا كان التصرف لازما بالنسبة إلى طرفيه كالبيع والاجارة ونحوهما لم يملك أحدهما ابطاله الا برضا الطرف الأخر، وهذا ما يسمى بالإقالة، وإذا فقد لزومه بسبب خيار كخيار رؤية أو شرط‍ أو عيب كان له إبطاله بارادته بناء على خياره وإذا كان التصرف بإرادة المتصرف المنفردة كالوقف والوصية والهبة والجعالة كان له إبطاله إذا جعله الشارع غير لازم كالوصية والجعالة والهبة فى بعض أحوالها، ولم يكن له ذلك بإرادته فيما جعله الشارع لازما كالوقف وعقد الصبى المميز موقوف فلوليه إبطاله عند الأحناف والمالكية، وكذلك عقد


(١) سورة محمد: ٣٣.
(٢) كشاف القناع ج‍ ١ ص ٥٢٨.
وأحكام القرآن لابن العربى.
وأحكام القرآن للجصاص ج‍ ٣ ص ٢١٩.
وأحكام القرآن للقرطبى ج‍ ١٦ ص ٢٥٥.
(٣) مصابيح الفقه وكتاب الصلاة ص ٤٢٧، ٤٢٨.