للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لا يحل لواهب أن يرجع فى هبته الا الوالد» وقاس الأم على الوالد (١). وجاء فى «بداية المجتهد» أن مالكا وأصحابه قالوا انه لا بد من الحيازة فى المسكون والملبوس، فان كانت دارا سكن فيها خرج منها، وكذلك الملبوس ان لبسه بطلت الهبة، وقالوا فى سائر العروض انه يكفى فى ذلك اعلانه واشهاده، أما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك، فروى عنه أنه لا يجوز الا أن يخرجه الأب عن يده الى يد غيره، وروى عنه أنه يجوز اذا جعلها فى ظرف أو اناء وختم عليها بخاتم وأشهد على ذلك الشهود. ولا خلاف بين أصحاب الامام مالك أن الوصى يقوم فى ذلك مقام الأب، واختلفوا فى الأم: فقال ابن القاسم لا تقوم مقام الأب ورواه عن مالك، وقال غيره من أصحابه انها تقوم مقامه (٢). ويرى الامام مالك جواز تفضيل الرجل بعض ولده على بعض فى الهبة، ولكن لا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض (٣).

[مذهب الشافعية]

جاء فى كتاب «نهاية المحتاج الى شرح المنهاج» أنه يسن للوالد أى الأصل وان علا العدل فى عطية أولاده أى فروعه وان سفلوا ولو أحفادا مع وجود الأولاد فيما يظهر كما رجحه جمع وان خصصه آخرون بالأولاد، سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فان ترك العدل بلا عذر كره عند أكثر العلماء خلافا لمن ذهب الى حرمته. والأصل فى ذلك خبر البخارى «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» وخبر أحمد أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لمن أراد أن يشهده على عطية لبعض أولاده «لا تشهدنى على جور، لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم» وفى رواية لمسلم أشهد على هذا غيرى، ثم قال أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ قال بلى «قال فلا اذن» فأمره باشهاد غيره صريح فى الجواز وتسميته جورا باعتبار ما فيه من انتفاء العدل المطلوب، فان فضل البعض أعطى بقيتهم ما يحصل به العدل، والأرجع ندبا للأمرية فى رواية، نعم يظهر أنه لو علم من المحروم الرضى وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يستحب الرجوع ولم يكره التفضيل، كما لو حرم فاسقا لئلا يصرفه عن معصية أو عاقا أو زاد أو آثر الأحوج أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة: رضى الله عنهما والأوجه أن حكم تخصيص بعضهم بالرجوع فى هبة حكم ما لو خصصه بالهبة فيما مر وأفهم قوله عطية عدم طلب التسوية فى غيرها كتودد بكلام أو غيره لكن ذكر الدميرى فى بعض نسخه أنه لا خلاف فى طلب التسوية بينهم حتى فى الكلام وهو متجه اذ كثيرا ما يترتب على التفاوت فى ذلك ما مر فى الاعطاء، ومن ثم ينبغى أن يأتى هنا أيضا استثناء التمييز لعذر. ويسن للولد العدل أيضا فى عطية أصوله فان فضل كره


(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبى الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبى الأندلسى ح‍ ٢ ص ٢٧٩ مطبعة أحمد كامل بدار الخلافة العلية سنة ١٣٣٣ هـ‍.
(٢) بداية المجتهد ح‍ ٢ ص ٢٧٧ نفس الطبعة السابقة.
(٣) المرجع نفسه ح‍ ٢ ص ٢٧٥ نفس الطبعة السابقة.