للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالنسبة لما يترك له من ماله اما كسوب - وهو من له مهنة يدخل عليه منها رزق. واما متفضل وهو كل من له دخل يكفى مؤنته من أصل لا يجوز بيعه كوقف أو وصية بالمنافع ونحوهما ويفضل منه شئ واما خال عنهما. فالخالى عنهما ومثله من له دخل من مهنة أو غلة ما لا يباع ولا بفضل منه شئ فهذا يترك له ثوب يستره ويقيه الحر والبرد حسب ما يعتاد الفقراء، لانه فى حكم الفقراء، لتعلق حق الغير بماله يستثنى له الا مثل حالهم من غير اضرار.

وقال الامام يحيى: يترك له كسوة مثله المعتادة قبل الافلاس من خشن ونفيس.

كذلك يترك له منزله المحتاج اليه الا اذا كان نفيسا أو كبيرا، فيباع الزائد أو الكل ويؤخذ له ببعض ثمنه منزل على عادة الفقراء من أهل بلده، ويوفر بقية الثمن للدائنين ومن لم يكن له منزل أصلا لم يترك له مع افلاسه من ماله قيمة المنزل. وكذلك يترك للمفلس الكسوب آلة صنعته التى يتكسب بها فلا تباع عليه ولو كانت تفى بالدين الا زيادة النفيس اذا كان يجد غيرها بالاجرة.

وقال الفقيه يوسف ان كانت تفى بالدين فانها تباع له. ويباع عليه خاتمة وسلاحه ان كان غير محتاج اليه. أما المفلس الكسوب أو المتفضل فلا يترك القاضى له منزلة الذى يسكنه اذا كان يجد غيره بالاجرة لا بالاعارة ولا من بيت المال، فيباع عليه ويستأجر له غيره وتكون الاجرة من كسب الكسوب ومما يفضل للمتفضل لان الاجرة معه مستمرة موجودة لا تنقطع بخلاف غيره. وأما الثياب فلا تباع عليه وتترك له، لان العادة لم تجر باستئجارها. وقال الفقيه يحيى: لوجرت العادة باستئجارها تباع ويستأجر له غيرها من دخله والاصح الاول حتى ولو جرت العادة بذلك.

وكذلك يستثنى من بيع مال المفلس الميت جهازه للدفن من كفن وغيره فلا يباع لقوله صلّى الله عليه وسلم فى الميت المديون: «صلوا على أخيكم» فلو لم يستثن ذلك لامرهم بنزع كفنة اذ هو من ماله ولا يزاد على ثوب واحد وان كان كفن مثله أكثر على الارجح اثار للدين. وقيل: لا يزاد على كفن مثله. وقيل: ما يستر العورة فقط‍. وسيأتى فى الاتفاق على المفلس تفصيل ما يترك له من النفقة.

واذا كان الدائن واحد سلم اليه القاضى ثمن ما يباع أولا بأول، اذ لا وجه للتأخير. فان كانوا جماعة حفظه حتى يجتمع ما يمكن قسمته فيقسمه بينهم بحصة كل واحد منهم من الدين والمرتهن أولى بثمن رهنه من سائر الدائنين لتعلق حقه بعين الرهن وتعلق حق الدائنين بذمة المفلس ويقدم بيعه بالجواز أن ينقص الرهن عما رهن فيه فيحتاج المرتهن الى توفيته من مال المفلس. وفى اختصاص الدائنين الاولين بما اشتراه المفلس بثمن فى ذمته بعد الحجر عليه وجهان: أصحهما ما قاله الامام يحيى: ان البائعين له أحق به، فلا يقسم على الدائنين لقوله صلّى الله عليه وسلم: «فصاحب المتاع أحق بمتاعة (١)» وقيل: بل يكون للدائنين الاولين فيباع ويقسم عليهم كالاعيان المتقدمة من مال المفلس وللقاضى ان يحتاط‍ عند تقسيم مال المفلس بأخذ الكفلاء من الدائنين برد ما يلزم رده، ولا سيما ممن كان غريبا (٢).

[مذهب الإمامية]

يجوز للقاضى أن يبيع مال المفلس عينا كان أو منفعة كالمنفعة المؤجرة أو المصالح عليها، ويضاف العوض الى أثمان ما يباع. وذلك لما روى كعب بن مالك أن النبى صلّى الله عليه وسلّم حجر على معاذ وباع ماله فى دينه. وهذا يقتضى أنه باعه جبرا عليه بغير اختياره. ويحتسب من جملة أموال المفلس الذى يراد تعلق الحجر بها الاموال التى ملكها بعوض ثابت فى ذمته كالاعيان التى اشتراها أو أستدانها لانها ملكه الآن وان كان أصحابها بالخيار بين أن يرجعوا فيها وألا يرجعوا ويطالبوا بعوضها المحتسب من جملة ديونه. وينبغى للقاضى المبادرة


(١) يأتى تخريجه فى اختصاص الدائن بعين ماله عند المفلس.
(٢) البحر الزخار ج ٥ ص ٨٢ - ٨٣، شرح الأزهار ج ٤ ص ٢٨٧ - ٢٨٩، التاج المذهب ج ٤ ص ١٦٣، سبق تخريجه فى الحجر على المفلس.