للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، ولو وجد المتيمم نبيذ التمر في خلال الصلاة فعند محمد - رحمه الله تعالى - يتم صلاته ثم يتوضأ ويعيد؛ لأنه كسؤر الحمار عنده.

وعند أبى يوسف - رحمه الله تعالى - يتم صلاته ولا يعيد، لأن النبيذ عنده ليس بطهور.

وعند أبى حنيفة - رحمه الله تعالى - يقطع صلاته؛ لأن نبيذ التمر بمنزلة الماء عنده في حال عدم الماء، فتنتقض صلاته بوجوده فيتوضأ به ويستقبل.

ولو وجد سؤر الحمار والنبيذ جميعًا: فعند أبى حنيفة - رحمه الله تعالى - تفسد صلاته فيتوضأ بهما ثم يستقبل؛ لأن سؤر الحمار إن كان طاهرًا فالنبيذ معه ليس بطهور، فلهذا توضأ بهما.

وعند أبى يوسف - رحمه الله تعالى - يمضي في صلاته، فإذا فرغ توضأ بهما، وأعاد الصلاة احتياطًا (١).

وجاء في (الدر المختار): يباح قطع الصلاة - ولو كان فرضًا - لنحو قتل حية وَهَرَبٍ، ويستحب قطع الصلاة لمدافعة الأخبثين .. وقيل: إذا كان ذلك يشغل قلبه عن الصلاة وخشوعها فأتمها فإنه يأثم لأدائها مع الكراهة التحريمية، ومقتضى هذا أن القطع واجب لا مستحب، ويدل عليه حديث: "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلى وهو حاقن حتى يتخفف" (٢).

ويجب قطع الصلاة أيضًا لإغاثة ملهوف وغريق وحريق. سواء استغاث بالمصلى أو لم يعين أحدًا في استغاثته إذا قدر على ذلك .. ومثله خوف تردى أعمى في بئر مثلًا إذا غلب على ظنه سقوطه.

ولا يجب قطع الصلاة لنداء أحد أبويه - أي الأصول وإن علوا - بلا استغاثة إلا في النفل، فإن علم أنه يصلى لا بأس أن لا يجيبه، وإن لم يعلم أجابه.

وفى النفل يجيبه وجوبًا وإن لم يستغث؛ فقد ورد أن عابد بنى إسرائيل قد عوتب على تركه الإجابة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما معناه: "لو كان فقيهًا لأجاب أمه" (٣) وهذا إن لم يعلم أنه يصلى، فإن علم لا تجب الإجابة لكنها أولى (٤).

[مذهب المالكية]

جاء في (حاشية الدسوقى): أنه إذا نودى شخص من أحد أبويه فإن كان أعمى أصم وكان هو يصلى نافلة وجب عليه إجابته وقطع تلك النافلة؛ لأنه قد تعارض معه واجبات فيقدم أوكدهما وهو إجابة الوالدين للإجماع على وجوبها، والخلاف في وجوب إتمام النافلة.

وأما إن كان المنادى له من أبويه ليس أعمى ولا أصم، أو كان يصلى في فريضة فليخفف ويسلم ويكلمه.

وكما يجب الكلام لإنقاذ الأعمى وإن أبطل الصلاة يجب أيضًا لتخليص المال إذا كان يخشى


(١) المبسوط: ١/ ١٢٤ - ١٢٥. بتصرف.
(٢) الحديث بنحوه في: سنن أبى داود كتاب الطهارة. باب أيصلى الرجل وهو حاقن؟!. وسنن ابن ماجه. كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في النهى للحاقن أن يصلى.
(٣) شعب الإيمان للبيهقى. باب بر الوالدين.
(٤) الدر المختار بحاشية ابن عابدين: ١/ ٤٥٩، بتصرف.