من هذا الرجل - يعنى أبا محمد عبد الله بن الخبر - دعوته ليحضر شهادتى فيأبى على ذلك فلم يشتغل بذلك أيضا أبو محمد وإنما نقص منه ثم باعه ليكون باع جزافا لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين بكيل واحد، ولعل الشيخ أبا محمد لم يحضر الشهادة للريبة أو لأنه قد وجد من يشهد سواه أو لأن ذلك شبيه بإعطاء الدين بمقداره وعمل ممن يأخذه لأنه ولو أعطاه الأجرة لكن قد ذهب أولا على أن يمتار له فيأخذه منه بالدين. وفى الديوان: وإن دعاه أن يبلغ الشهادة إلى حاكم جائر في النفس أو المال وخاف على نفسه أو ماله أو على المشهود عليه أو على غيره من الناس فلا يضيق عليه أن يبلغها ولكن يستودعها فيمن يبلغها إن لم يخف من المضرة على غيره في نفس أو مال (١).
[حكم الامتناع من تولى القضاء]
[مذهب الحنفية]
جاء في بدائع الصنائع أن القضاء إذا عرض على من يصلح له من أهل البلد ينظر إن كان في البلد عدد يصلحون للقضاء لا يفترض عليه القبول بل هو في سعة من القبول والترك، أما جواز القبول فلأن الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم أجمعين قضوا بين الأمم بأنفسهم وقلدوا غيرهم وأمروا بذلك فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذا رضى الله تعالى عنه إلى اليمن قاضيا، وبعث عتاب بن أسيد رضى الله تعالى عنه إلى مكة قاضيا، وقلد النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا من الصحابة رضى الله تعالى عنهم الأعمال وبعثهم إليها، وكذا الخلفاء الراشدون قضوا بأنفسهم وقلدوا غيرهم فقلد سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه شريحا القضاء، وقرره سيدنا عثمان وسيدنا على رضى الله تعالى عنهما، وأما جواز الترك فلما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبى ذر رضى الله تعالى عنه: إياك والإِمارة، وروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا تتأمرن على اثنين، ويروى أن أبا حنيفة رضى الله تعالى عنه عرض عليه القضاء فأبى حتى ضرب على ذلك ولم يقبل، وكذا لم يقبله كثير من صالحى الأمة، وهذا معنى ما نكر في الكتاب دخل فيه قوم صالحون وترك الدخول فيه قوم صالحون ثم إذا جاز الترك والقبول في هذا الوجه اختلفوا في أن القبول أفضل أم الترك؟ قال بعضهم: الترك أفضل، وقال بعضهم القبول أفضل، واحتج الفريق الأول بما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من جعل على القضاء فقد ذبح بغير سكين، وهذا يجرى مجرى الزجر عن تقلد القضاء، واحتج الفريق الآخر بصنع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وصنع الخلفاء الراشدين لأن لنا فيهم قدوة، ولأن القضاء بالحق إذا أراد به وجه الله سبحانه وتعالى يكون عبادة خالصة، بل هو من أفضل العبادات، قال النبي المكرم عليه أفضل الصلاة والسلام: عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، والحديث محمول على القاضي الجاهل أو العالم الفاسق أو الطالب الذي لا يأمن علي نفسه الرشوة فيخاف أن يميل إليها توفيقا بين الدلائل. هذا إذا كان في البلد عدد يصلحون للقضاء، أما إذا كان لم يصلح له إلا رجل واحد فإنه يفترض عليه القبول إذا عرض عليه لأنه إذا لم يصلح له غيره تعين هو لإِقامة هذه العبادة فصار فرض عين عليه إلا أنه لابد من التقليد فإذا قلد افترض عليه القبول على