للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويلان الأول في فرض الكفاية، والثانى في فرض العين. ثالثهما: النهى عن ترك التحمل والأداء وتسميتهم على الأول شهداء لأن مآلهم إلى أن يحملوا الشهادة بمقتضى طلب تحملها ويظن قبول تحملها ففيه مجاز في الأول بخلاف تسميتهم على الثاني فإنها حقيقة، وفى الثالث الجمع بين الحقيقة والمجاز، وفيه خلاف والمشهور المنع. والنهى في الآية للتحريم عند بعض، وقال بعض: لا يحرم ترك تحملها إلا إذا لم يوجد غير المطلوب لتحملها وإن كان غيره فهو مخير حتى يتركوها جميعا فيهلكوا لأن تحملها فرض كفاية، وإذا لم يوجد غيره وجب عليه تحملها وإن كان الاشتغال بتحملها يؤدى إلى تلف نفس أو عضو أو يشغل عن كسب قوت عيال فيمن لا مال له فلا يتحملها إلا أن أعطى ما يكتفى به في ذلك المحذور، مثل أن يعطى القوت أو يقرن له من يحفظه أو يحفظ غيره من التلف أبيح لوصى اليتيم أن يأكل من مال اليتيم والانتفاع منه بمعروف إذا لم يكن غنيا وأشغله القيام، ويناسب الأول أن الكاتب منهى عن إباء الكتابة أيضا والكتابة وتحمل الشهادة من مكارم الأخلاق لتضمنها إحياء حق المسلم وقضاء.

وقد ورد أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وفى الديوان: لا يضيق أن يجيب إلى تحمل الشهادة إلا إن اضطر إليه ولم يكن غيره. وإن دعى أن يتحملها من بلد بعيد أو كان في شغله أو رأى ما يخاف فساده في الأنفس أو الأموال فاشتغل به أو اشتغل في معنى الصلاة كالوضوء، أو خاف من أخذ تلك الشهادة أو على ماله لم تلزمه الإِجابة، وقيل لا تلزمه ولو اضطر إليه أو لم يكن في شغل، ولا يلزمه التبليغ إذا كان له مانع كمرض لا يطيق التبليغ معه أو انكسار من الفخذ كالحريق إن دار به المطر أو الريح وإصلاح ما يخاف فساده في نفس أو مال واشتغاله بمعانى الصلاة كالوضوء وقد خاف فوت الوقت، ومثل أن يدعى للحق. وفى الأثر أو إن بعد الشاهد عن الحاكم وقوى على المسير فعليه أن يسير مع المشهود له إليه ولو بتحمل المؤنة ما لم يضر وإن بعياله، وإن قدر على المشى لا على الزاد فعلى المشهود له أن يزوده، وإن عجز عنهما وعن الكراء فعليه أن يحضر له ذلك (١). وإذا تحملها فأبى من أدائها حيث يجب عليه الأداء فضاع المال أو النفس بعدم أدائه ضمنه، فإن أبى وأقام غيره كانت عليه التوبة، وإذا أقام الشهادة ثم احتاج صاحبها إلى إعادة الإقامة فله طلب الأجرة على ذلك لزوال الفرض عنه بالإقامة الأولى إن لم يكن القصور أو التقصير منه في إقامته الأولى، وإلا فلا يأخذ الأجرة على إعادتها ما لم يؤدها كما تحملها (٢). وندب التعفف عن القضاء والحكم والفتيا والشهادة والكتابة وكل ما فيه ولاية على الناس أو خوض في أموالهم أو دمائهم أو أعراضهم ما وجد قائم بذلك، قال أبو الربيع سليمان بن هارون رضى الله تعالى عنه قدم أبو يحيى سليمان بن ماطوس منزل حيان، فقال له حيان أرأيت يا شيخ إن أتانى رجل لأستدينه فأعطيته دابتى وجرابى ورأسمالى فامتار لى طعاما من السوق فنزعت منه حفنتين فأعطيتهما إياه في كرائه ثم بعث الباقى جزافا أيحل لى ذلك؟ قال نعم فقال له حيان أعطنى إذن


(١) شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش جـ ٦ ص ٥٦٥ وما بعدها إلى ص ٥٦٧ طبع محمد بن يوسف البارونى.
(٢) المرجع السابق جـ ٦ ص ٥٦٧، ص ٥٦٨ نفس الطبعة.