للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكان شأنها شأن الصلاة ولكان يستخلف فيها كما استخلف أبو بكر في الصلاة ولكان يشتهر ذلك كما أشتهر أمر الصلاة ..

واحتجاج الصحابه على خلافة أبى بكر بقياسها على الصلاة في قولهم: ارتضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟ دليل على أن الوصية لم تقع ويدل على ذلك أيضا على أن أمر الإمامة والعهد بها لم يكن مهما كما هو اليوم ..

وشأن العصبية المراعاة في الاجتماع والافتراق في مجارى العادة لم يكن يؤمئذ بذلك الاعتبار لأن أمر الدين الإسلامي كان كله بخوارق العادة من تأليف القلوب عليه واستماتة الناس دونه ..

وذلك من أجل الأحوال التي كانوا يشاهدونها في حضور الملائكة لنصرهم وتردد خبر السماء بينهم وتجدد خطاب الله في كل حادثة تتلى عليهم فلم يُحتَج إلى مراعاه العصبية لما شمل الناس من صبغة الانقياد والإذعان وما يستفزهم من تتابع المعجزات الخارقة والأحوال الإلهية الواقعة والملائكة المترددة التي وجموا منها ودهشوا من تتابعها فكان أمر الخلافة والملك والعهد والعصبية وسائر هذه الأنواع مندرجا في ذلك القبيل كما وقع .. فلما انحسر ذلك المدد بذهاب تلك المعجزات ثم بفناء القرون الذين شاهدوها فاستحالت تلك الصبغة قليلا قليلا وذهبت الخوارق وصار الحكم للعادة كما كان فاعتبروا العصبية ومجارى العوائد فيما ينشأ عنها من المصالح والمفاسد وأصبح الملك والخلافة والعهد بهما مهمًا من المهمات الأكيدة كما زعموا ولم يكن ذلك من قبل ..

فانظر كيف كانت الخلافة لعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مهمة فلم يعهد فيها لأحد من بعده، ثم تدرجت الأهمية زمان الخلافة بعض الشئ بما دعت الضرورة إليه في الحماية والجهاد وشأن الردة والفتوحات فكانوا بالخيار في الفعل والترك كما ذكرناه عن - عمر رضى الله عنه - ..

ثم صارت اليوم "عهد ابن خلدون" من أهم الأمور للألفة على الحماية والقيام بالمصالح فاعتبرت فيها العصبية التي هي سر الوازع عن الفرقة والتخاذل ومنشأ الاجتماع والتوافق الكفيل بمقاصد الشريعة وأحكامها.

[إمامة المفضول مع وجود الأفضل]

جاء في شرح المقاصد للسعد التفتنازانى (١) في الكلام على شروط الشيعة الإمامية في الإمام .. ومنها أن يكون أفضل أهل زمانه لأن قبح تقديم المفضول على الأفضل في إقامة قوانين الشريعة وحفظ حوزة الإسلام معلوم للعقلاء .. ولا ترجيح في تقديم المساوى ..

ونقل مثل ذلك عن الأشعرى حتى لا تنعقد إمامة المفضول مع وجود الأفضل لأن الأفضل أقرب إلى انقياد الناس له واجتماع الآراء على متابعته .. ولأن الإمامة خلافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب أن يطلب لها من له رتبة أعلى قياسا على النبوة ..

وأجيب بأن القبح بمعنى استحقاق تاركه الذم والعقاب عند الله ممنوع .. وبمعنى عدم ملاءمته بمجارى العقول والعادات غير مفيد مع أنه أيضا في حيز المنع إذ ربما يكون المفضول أقدر على القيام بمصالح الدين والملك .. ونصبه أوفق لانتظام حال الرعية .. وأوفق في اندفاع الفتنة .. وهذا بخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه مبعوث من العليم الحكيم الذي يختار من يختار من عباده


(١) شرح المقاصد للسعد التفتازانى جـ ٢ ص ٢٧٨.