للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقديمه في الصلاة فباطل بيقين لأنه ليس كل من استحق الإمامة في الصلاة يستحق الإمامة في الخلافة .. إذ يستحق الإمامة في الصلاة أقرأ القوم وإن كان أعجميا أو عربيا ولا يستحق الخلافة إلا قرشى فكيف والقياس كله باطل ..

وقد ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية استدلال ابن حزم على استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بعده بأن الخليفة من يستخلفه غيره لا من يخلف غيره وإن لم يستخلفه .. فقال في منهاج السنة (١): أن الخليفة إما أن يكون معناه أن يخلف غيره وإن كان لم يستخلفه كما هو المعروف في اللغة وهو قول الجمهور.

وإما أن يكون معناه من استخلفه غيره كما قاله طائفة من أهل الظاهر والشيعة ونحوهم .. قالوا: والخليفة إنما يقال لمن استخلفه غيره فاعتقدوا أن الفعيل بمعنى المفعول فدل ذلك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف على أمته والذين نازعوهم في هذه الحجة قالوا: الخليفة يقال لمن استخلفه غيره ولمن خلف غيره فهو فعيل بمعنى فاعل ..

وأما ما استدل به ابن حزم من الأثرين اللذين ذكرهما .. فإن ما ذكره السعد التفتازانى في شرح المقاصد فيه الرد الواضح على ذلك ..

وجاء في مقدمة ابن خلدون من الفصل الثامن والعشرين (٢): وهكذا كان شأن الصحابة رضى اللّه عنهم في رفض الملك وأحواله ونسيان عوائده حذرا من القياس بالباطل ..

فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرض الذي توفى فيه استخلف أبا بكر - رضي الله عنه - على الصلاة إذ هي أهم أمور الذين .. وارتضاه الناس للخلافة .. وهى حمل الكافة على أحكام الشريعة ولم يجر للملك ذكر طائفة مظنة للباطل وتحله يومئذ لأهل الكفر وأعداء الدين …

فقام بذلك أبو بكر ما شاء الله متبعا سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاتل أهل الردة حتى اجتمع العرب على الإسلام .. ثم عهد إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فاقتفى أثره .. ثم صارت إلى عثمان بن عفان ثم على - رضي الله عنهما - والكل متبرءون من الملك متنكبون طريقه".

وجاء فيها من الفصل الثلاثين (٣):

"وأما شأن العهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما تدعيه الشيعة من وصيته لعلى - رضي الله عنه - فإنه أمر لم يصح .. ولا نقله أحد من أئمة النقل .. والذي وقع في الصحيح من طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - الدواة والقرطاس ليكتب الوصية وأن عمر منع من ذلك - دليل واضح على أنه لم يقع .. وكذا قول عمر - رضي الله عنه - حين طُعن وسُئل في الدين فقال: إن أعهد فقد عهدت من هو خير منى يعنى أبا بكر - رضي الله عنه - ..

وإن أترك فقد ترك من هو خير منى يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يعهد .. وكذلك قول على للعباس - رضى اللّه عنهما - حين دعاه للدخول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألانه عن شأنهما في العهد .. فأبى على من ذلك وقال: إنه إن شئت منها فلا تطمع فيها آخر الدهر .. وهذا دليل على أن عليا علم أنه لم يوصى ولا عهد إلى أحد ..

وشبهة الإمامة في ذلك إنما هي كون الإمامة عندهم من أركان الدين كما يزعمون وليس كذلك .. وإنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق .. ولو كانت من أركان الدين


(١) منهاج السنة جـ ٢ ص ١٧٥.
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ١٨٢ طبع كتاب الشعب.
(٣) المصدر السابق الفصل الثلاثين ص ١٨٩.