للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسلم حكم باسلامه ظاهرا، وان مات قبل زوال الاكراه عنه فحكمه حكم المسلمين لأنه أكره بحق فحكم بصحة ما يأتى به كما لو أكره المسلم على الصلاة فصلى.

أما فى الباطن فيما بينهم وبين ربهم فان من اعتقد منهم الاسلام بقلبه وأسلم فيما بينه وبين الله تعالى فهو مسلم عند الله موعود بما وعد به من أسلم طائعا.

من لم يعتقد الاسلام بقلبه فهو باق على كفره ولا حظ‍ له فى الاسلام. سواء فى هذا من يجوز اكراهه ومن لا يجوز اكراهه. لأن الاسلام لا يحصل بدون اعتقاده من العاقل بدليل أن المنافقين كانوا يظهرون الاسلام ويقومون بفرائضه ولم يكونوا مسلمين (١).

[الاكراه على الكفر]

من أكره على الكفر فأتى بكلمة الكفر لم يصر كافرا لقوله تعالى: «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ»}.

وروى أن عمارا أخذه المشركون فضربوه حتى تكلم بما طلبوا منه ثم أتى النبى وهو يبكى فأخبره بما حدث فقال له النبى صلّى الله عليه وسلّم (ان عادوا فعد).

وروى أن الكفار كانوا يعذبون المستضعفين من المؤمنين فما منهم من أحد الا أجابهم الا بلالا فانه كان يقول أحد أحد وأيضا يقول النبى صلّى الله عليه وسلّم:

(عفى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وأيضا أنه قول أكره عليه بغير حق فلم يثبت حكمه كما لو أكره على الاقرار.

وفارق ما اذا أكره بحق فانه قد خير بين أمرين يلزمه أحدهما. فأيهما اختاره ثبت حكمه فى حقه. فاذا ثبت انه لم يكفر فمتى زال عنه الاكراه أمر باظهار اسلامه. فان أظهره فهو باق على اسلامه وان أظهر الكفر حكم بكفره من حين نطق به لأننا تبينا من ذلك أنه كان منشرح الصدر بالكفر من حين نطق به.

مختارا له. وان قامت عليه بينة أنه نطق بكلمة الكفر لكنه كان محبوسا عند الكفار ومقيدا عندهم فى حالة خوف لم يحكم بردته لأن ذلك ظاهر فى الاكراه (٢). والأفضل لمن أكره على كلمة الكفر أن يصبر ولا يقولها وان أتى ذك على نفسه لما روى خباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كان الرجل ممن قبلكم يحفر له فى الأرض فيجعل فيها فيجاء بمنشار فيوضع على شق رأسه ويشق اثنتين ما يمنعه ذلك عن دينه) ويمشط‍ بامشاط‍ الحديد ما دون عظمه من لحم ما يصرفه ذلك عن دينه وجاء فى تفسير قوله تعالى «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» أن بعض ملوك الكفار أخذ قوما من المؤمنين فحفر لهم أخدودا فى الأرض وأوقد فيه نارا ثم قال من لم يرجع عن دينه فألقوه فى النار فجعلوا يلقونهم فيها حتى


(١) راجع المغنى لابن قدامة ج‍ ١٠ ص ١٠٤، ١٠٥ والشرح ج‍ ١٠ ص ١٠٧، ١٠٨.
(٢) راجع المغنى ج‍ ١٠ ص ١٠٦ والشرح ج‍ ١٠ ص ١٠٨.