للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد سواهم، وذلك لا يتأتى إلا فى الجمع المحصور كما فى زمان الصحابة، أما فى سائر الأزمنة فيستحيل معرفة اتفاق جميع المؤمنين على شئ مع كثرتهم وتفرقهم فى مشارق الأرض ومغاربها، ولأن الصحابة أجمعوا على أن كل مسألة لا تكون مجمعا عليها يسوغ فيها الاجتهاد، فلو أجمع غيرهم فى مسألة من هذا النوع لخرجت بهذا الإجماع الجديد عن أن تكون محلا للاجتهاد، وبذلك يكون معنا إجماعان:

أحدهما: إجماع الصحابة، والثانى:

إجماع من بعدهم، وهما متناقضان فى أن المسألة محل للاجتهاد أو ليست محلا للاجتهاد، هذه هى حجتهم وقد رد عليهم الجمهور بأن النصوص الموجبة لكون الإجماع حجة تتناول الموجودين فى ذلك الزمان ومن يأتى بعدهم، وإلا لزم ألا ينعقد إجماع الصحابة بعد موت من كان موجودا عند ورود تلك النصوص، لأن إجماعهم حينئذ ليس إجماع جميع المخاطبين وقت ورودها، وقد أجمعوا على صحة إجماع من بقى من الصحابة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعد من مات بعده من الصحابة، وليس ذلك إلا لأن الماضى غير معتبر، كما أن الآتى غير منتظر.

وقولهم: أن العلم باتفاق الكل لا يحصل إلا عند مشاهدة الكل، فاسد أيضا، لأن حاصله يرجع إلى تعذر حصول الإجماع فى غير زمان الصحابة، وهذا لا نزاع فيه وإنما النزاع فى أنه لو حصل كان حجة وكذا شبهتم الثالثة، فهى فاسدة أيضا، لأنه لو صح ما قالوا لزم امتناع إجماع الصحابة على المسائل الاجتهادية بعين ما ذكروا وهو باطل لإجماعهم على كثير من المسائل الاجتهادية، ولئن سلمنا إجماعهم على تجويز الاجتهاد فى مسألة اجتهادية فهو مشروط‍ بعدم الإجماع الذى قد يجد، وحينئذ لا يلزم التعارض، لأن الإجماع إذا وجد على حكم المسألة زال شرط‍ الإجماع السابق على تجويز الاجتهاد فيها، فيزول ذلك الاجماع بزوال شرطه (١).

خامسا: لا يتحقق الإجماع بعترة

الرسول صلى الله عليه وسلم

وحدهم عند الجمهور

كافة الزيدية يقولون: إن الإجماع عام وخاص، كما قدمنا، فالعام هو إجماع جميع المجتهدين، والخاص هو إجماع مجتهدى عترة الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولو انفرد العترة وحدهم فأجمعوا على أمر فى عصر من العصور دون غيرهم انعقد الاجماع بذلك، ولم يتوقف على موافقة الغير.

وقد بينا فى تعريف الإجماع مرادهم بالعترة، وقد وافقهم على مذهبهم بعض العلماء، منهم أبو هاشم وأبو عبد الله البصرى، والقاضى عبد الجبار، فى رواية عنه، واحتجوا على مذهبهم بالكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (٢).


(١) اقرأ فى بيان حجتهم والرد عليها، كتب الأصول التى أشرنا إليها فى مذاهب الجمهور ومنها حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ص ٩٦١، ٩٦٢ ج‍ ٣ وعنه نقلنا الاحتجاج والرد بتصرف يسير.
(٢) سورة الأحزاب: ٣٣.