للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قول أبى حنيفة - رحمه الله تعالى - لأن دعواها دعوى النكاح، وإن ادعت أنه طلقها قبل الدخول وأن لها عليه نصف المهر استحلفته على نصف المهر؛ لأن دعواها الآن دعوى المال، والاستحلاف مشروع في دعوى المال، فإن نكل عن اليمين لزمه ذلك ولا يثبت النكاح، لأن الاستحلاف كان في المال لا في النكاح، وإنما يقضى عند النكول بما استحلف فيه خاصة كما في دعوى السرقة إذا استحلف فنكل يقضى بالمال دون القطع.

وإن ادعت أختان أنه تزوجهما جميعًا، وكل واحدة منهما تقيم البينة أنه تزوجها أولًا كان ذلك إلى الزوج (١).

وجاء في (المبسوط) أيضًا: أن الرجل إذا أرسل إلى المرأة رسولًا حرًا أو عبدًا صغيرًا أو كَبيرًا فهو سواء؛ لأن الرسالة تبليغ عبارة المرسل إلى المرسل إليه، ولكل واحد من هؤلاء عبارة مفهومة فيصلح أن يكون رسولًا. فإذا أبلغ الرسالة فقال: إن فلانًا سألك أن تزوجيه نفسك فأشهدت أنها تزوجته كان ذلك جائزًا إذا أقرّ الزوج بالرسالة أو أقامت عليه البينة؛ لأن الرسول بلغها رسالة المرسل فكأنه حضر بنفسه وعبر عن نفسه بين يدى الشهود، وقد سمع الشهود كلامها أيضًا فكان نكاحًا بسماعهما كلام المتعاقدين. وإذا أنكر الرسالة ولم تقم عليه البينة لها، فالقول قوله ولا نكاح بينهما؛ لأن الرسالة لم تثبت كأن المخاطب فضولى، ولم يرض الزوج بما صنع فلا نكاح بينهما، فإن كان الرسول قد خطبها وضمن لها المهر وزوجها إياه وقال: قد أمرنى بذلك فالنكاح لازم للزوج إن أقر أو قامت عليه البينة بالأمر والضمان لازم للرسول إن كان من أهل الضمان؛ لأنه جعل نفسه زعيمًا بالمهر، والزعيم غارم، وإن جحد الزوج ولم يكن عليه بينة بالأمر فلا نكاح بينهما لما قلنا، وللمرأة على الرسول نصف الصداق من قِبَل أنه مقر بأنه قد أمره، وأن النكاح جائز، وأن الضمان قد لزمه، وإقراره على نفسه صحيح (٢).

[ثانيا: إنكار بعض شروط النكاح]

جاء في (المبسوط): إذا جحد الزوج النكاح فأقامت المرأة البينة جاز، ولم يكن جحوده طلاقًا ولا فرقة؛ لأن الطلاق تصرف في النكاح وهو منكر لأصل النكاح فلا يكون إنكاره تصرفًا فيه بالرفع والقطع، ألا ترى أن بالطلاق ينتقص العدد وبانتفاء أصل النكاح لا ينتقص، فإن قامت البينة على إقراره بالنكاح جاز أيضًا؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة.

وإذا قال الزوج: تزوجتك بغير شهود، وقالت هي: تزوجنى بشهود فالقول قولها؛ لأنهما اتفقا على أصل العقد فيكون ذلك كالاتفاق منهما على شرائطه؛ لأن شرط الشئ يتبعه، فالاتفاق على الأصل يكون اتفافًا على الشرط ثم المنكر منهما للشرط في معنى الراجع، فإن كانت هي التي أنكرت الشهود فالنكاح بينهما صحيح. وإن كان الزوج هو المنكر يفرق بينهما لإقراره بالحرمة عليه؛ لأنه متمكن من تحريمها على نفسه فجعل إقراره مقبولًا في إثبات الحرمة. ويكون هذا بمنزلة الفرقة من جهته فلها نصف المهر إن كان


(١) المبسوط: ٥/ ١٥٣، وما بعدها.
(٢) المرجع السابق: ٥/ ٢٠، وما بعدها