للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ناحية أخرى تكلم رحمه الله عن مصالح لا يمكن تحصيلها الا بافساد بعضهما ومثل لها بحفظ‍ الأموال اذا توقف على تفويت بعضها كتعييب أموال اليتامى ونحوهم اذا خيف عليها الغصب فان حفظها قد صار بتعييبها فأشبه ما يفوت من ما ليتها من أجور حارسها وحانوتها.

وقد فعل الخضر عليه السّلام مثل ذلك لما خاف على السفينة الغصب فخرقها ليزهد غاصبها فى أخذها (١).

[مذهب الحنابلة]

يقول ابن قدامة: اذا كانت السفينة فى البحر وفيها متاع فخيف غرقها فألقى بعض من فيها متاعه فى البحر لتخف لم يرجع على أحد سواء ألقاه محتسبا بالرجوع أو متبرعا لانه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمان فان قال بعضهم له ألق متاعك فألقاه فكذلك.

وان قال ألقه وعلى ضمانه فألقاه فعلى القائل ضمانه.

وان قال ألقه وأنا وركبان السفينة ضمناء ففعل فقال أبو بكر الخلال يضمنه القائل وحده الا أن يتطوع بقيتهم.

وقال القاضى أبو يعلى ان كان ضمان اشتراك فليس عليه الا حصته.

وان كان ضمان اشتراك وانفراد بأن يقول كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته لزم القائل ضمان الجميع (٢).

[مذهب الظاهرية]

يقول ابن حزم: فان هال البحر وخافوا العطب فليخففوا الاثقل فالاثقل ولا ضمان فيه على أهل المركب لأنهم مأمورون بتخليص أنفسهم قال الله تعالى:

«وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. وقال تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» فمن فعل ما أمر به فهو محسن قال الله تعالى {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ .. }. فان كان دون الأثقل ما هو أخف منه، وكان فى رمى الأثقل كلفة يطول أمرها ويخاف غرق السفينة بمن فيها ويرجى الخلاص برمى الأخف رمى الأخف حينئذ.

وأما من رمى الاخف وهو قادر على رمى الأثقل فهو ضامن لما رمى من ذلك، لا يضمنه معه غيره لقول النبى صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» ولا يرمى حيوان الا لضرورة يوقن معها بالنجاة برميه .. والمانع من القاء ماله المثقل للسفينة ظالم لمن فيها فدفع الهلاك عن أنفسهم بمنعه من ظلمه لهم فرض (٣).


(١) قواعد الأحكام ج ١ ص ٨٧.
(٢) المغنى ج ٤ ص ٥١٥.
(٣) المحلى ج ٨ ص ٢٠٠.