للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار الطلاق والخلع وما يتعلق بهما]

[مذهب الحنفية]

أولًا: إنكار الطلاق

جاء في (بدائع الصنائع): إن ادعت المرأة الطلاق أو ادّعت أن ذلك كان في حال الغضب، أو ذكر الطلاق، وهو ينكر، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنها تدعى عليه الطلاق وهو ينكر، فإن أقامت البينة أن ذلك كان في حال الغضب أو حال ذكر الطلاق قبلت بينتها؛ لأن حال الغضب وذكر الطلاق يقف الشهود عليها ويتعلق علمهم بها، فكانت شهادتهم عن علم بالمشهود به فتقبل.

ولو أقامت البينة على أنه نوى الطلاق لا تقبل بينتها؛ لأنه لا وقوف للشهود على النية؛ لأنه أمر في القلب، فكانت هنا شهادة لا عن علم بالمشهود به فلم تقبل (١).

وروى ابن سماعة عن محمد أنه قال: إذا كانت امرأتين فحلف للأولى طلقت التي لم يحلف لها؛ لأنه لما أنكر للأولى أن تكون مطلقة تعينت الأخرى للطلاق ضرورة، وإن لم يحلف للأولى طلقت؛ لأنه بالنكول بذل الطلاق لها أو أقر به، فإن تشاحنا على اليمين حلف لهما جميعًا بالله تعالى ما طلق واحدة منهما؛ لأنهما استويا في الدعوى، ويمكن إيفاء حقهما في الحلف؛ فيحلف لهما جميعًا، فإن حلف لهما جميعًا حجب عنهما حتى يبين؛ لأن إحداهما قد بقيت مطلقة بعد الحلف؛ إذ الطلاق لا يرتفع باليمين، فكانت إحداهما محرمة، فلا يمكن منها إلى أن يبين، فإن وطئ إحداهما، فالتى لم يطء مطلقة؛ لأن فعله محمول على الجواز، ولا يجوز إلا بالبيان فكان الوطء بيان أن الموطوءة منكوحة فتعينت الأخرى للطلاق ضرورة انتفاء المزاحم (٢).

وجاء في (المبسوط): إذا مات الرجل وقالت امرأته: قد كان طلقنى ثلاثًا في مرضه، ومات وأنا في العدة، وقال الورثة: بل طلقك في صحته، فالقول قول المرأة؛ لأن الورثة يدعون عليها سبب الحرمان، وهى جاحدة لذلك، فإن الطلاق في مرضه لا يحرمها فلا تكون هي مقرة بالحرمان كما لو قالت: طلقنى في حالة نومه، ولأن الورثة يدعون الطلاق بتاريخ سابق، وهى تنكر ذلك التاريخ، ولو أنكرت أصل الطلاق وكان القول قولها، فكذا إذا أنكرت التاريخ (٣).

وجاء في موضع آخر: إذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثًا. وجحد الزوج والمرأة ذلك فرق بينهما؛ لأن المشهود به حرمتها عليه، والحل والحرمة حق الله تعالى فتقبل الشهادة عليه من غير دعوى، كما لو شهدوا بحرمتها عليه، والحل والحرمة حق الله تعالى فتقبل الشهادة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة؛ وهذا لأنهم يشهدون أن وطأه إياها يعمد هذا زنا، والشهادة على الزنا تقبل من غير دعوى (٤).

وجاء فيه أيضًا في حكم الطلاق على مال قوله: إذا قال الرجل لزوجته: طلقتك أمس بألف درهم أو على ألف درهم فلم تقبلى، وقالت: قد قبلت، فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأن إيجاب الطلاق بمال تعليق بقبولها، فالزوج أقر بالتعليق وأنكر وجود الشرط، فكان القول قوله، كما لو


(١) بدائع الصنائع: ٣/ ١١٣.
(٢) السابق: ٣/ ٢٢٨.
(٣) المبسوط: ٦/ ١٦٦.
(٤) السابق: ٦/ ١٤٧.