للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تماشيا مراحل فهما على خيارهما؛ وإن زادت المدة عن ثلاثة أيام أو أعرضا عما يتعلق بالعقد، ويحصل بأن يفارق أحدهما الآخر من المجلس ولو ناسيًا أو جاهلًا وإن استمر الآخر فيه؛ لأن التفرق بالأبدان لا يتبعض بخلاف التخاير، وكان ابن عمر - رضى الله عنهما راوى الحديث إذا ابتاع شيئًا فارق صاحبه قام ومشى هنية ثم رجع (١)؛ وعليه يحمل ما رواه الترمذى أنه كان إذا ابتاع شيئًا وهو قاعد قام ليجب له؛ وقضية ذلك حِلُّ الفراق خشية أن يستقيله صاحبه، وهو بما رواه الترمذى وحسنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" (٢) وقد يجاب بحمل (الحل) في الخبر على الإباحة المستوية الطرفين؛ ويعتبر في التفريق العرف. فإن كانا في سفينة أو دار أو مسجد صغير فبخروج أحدهما منه أو صعوده إلى السطح ينقطع الخيار. وإن مات العاقدان أو أحدهما في المجلس قام الوارث أو الموكل أو السيد مقامه، والعاقد إن خرج من المجلس مكرهًا بغير حق لم ينقطع خياره؛ لأنه لم يفعل شيئًا؛ وكذا إذا أكره على الخروج منه فخرج لم ينقطع خياره ولو لم يسد فمه؛ لأن فِعْل المكره كَلا فعل. والسكوت عن الفسخ لا يقطع الخيار كما في المجلس وهذا بخلاف الناسي والجاهل (٣).

[مذهب الحنابلة]

جاء في (كشاف القناع): لكل من المتبايعين خيار المجلس ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفًا ولو أقاما في المجلس شهرًا أو أكثر من شهر. ولو أقاما كرهًا فهما على خيارهما لعدم التفريق ولزم البيع لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"ما لم يتفرقا" (٤) لا أن تفرقا كرهًا؛ ومع تفريقهما مُكْرَهِين لا يسقط خيارهما، ويبقى الخيار لهما في هذا الحال إلى أن يتفرقا من مجلس زال الإكراه فيه؛ لأن فعل المكره لا يعتد به شرعًا؛ فإن أكره أحدهما وحده على التفرق انقطع خيار صاحبه؛ لتفرقه باختياره ويبقى الخيار للمكره منهما في حال تفرقه في المجلس الذي زال فيه الإكراه حتى يتفرقا عن اختيار، فإن رأى المتبايعان وهما في مجلس التبايع سبعًا أو ظالمًا خشياه فهربا فزعًا منه؛ أو حملهما من مجلس التبايع سيل، أو فرقتهما ريح فكإكراه. قاله ابن عقيل فيثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا من مجلس زال فيه ذلك؛ لأن فعل الملجأ غير منسوب إليه؛ ومتى تم العقد وتفرقا من مجلسه لم يكن لواحد منهما الفسخ للزوم البيع (٥).

[مذهب الظاهرية]

جاء في (المحلى): من قال حين يبيع أو يبتاع: لا خِلابة (٦)، فله الخيار ثلاث ليالٍ بما في خلالهن من الأيام إن شاء رد بعيب أو بغير عيب، أو بخديعة أو بغير خديعة، وبغبن أو بغير غبن، وإن شاء أمسك، فإذا انقضت الليالى الثلاث بطل خياره ولزمه البيع ولا رد له إلا من عيب إن


(١) البخارى كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار
(٢) سنن الترمذى؛ كتاب البيوع؛ باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا.
(٣) أسنى المطالب: ٢/ ٤٨، ٤٩، ٥٠ بتصرف.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) كشاف القناع: ٢/ ٤٥.
(٦) الخلابة: الخديعة المعجم الوسيط:١/ ٢٥٧، مادة (خلب).