للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يقم على حكمه عندنا دليل أصلا، وما كان من هذه الصفة فلا تحل الفتيا فيه لمن لم يلح له وجهة، إذ لا شك أن عند غيرنا بيان ما جهلناه، كما أن عندنا بيان كثير مما جهله غيرنا، ولم يعر بشر من نقص أو نسيان أو غفلة (١).

وقال أيضا: إن المجتهدين قسمان، إما مصيب مأجور مرتين، وإما مخطئ، والمخطئ قسمان، مخطئ معذور مأجور مرة وهو الذى أداه اجتهاده إلى أنه على حق عنده، ومخطئ غير معذور ولا مأجور ولكن فى جناح وإثم، وهو من تعمد القول بما صح عنده الخطأ فيه، أو بما لم يقم عنده دليل باجتهاده على أنه حق عنده (٢).

[أنواع الاجتهاد]

الأول: اجتهاد فى دائرة النص وهو يتضمن الاجتهاد فى معرفة القواعد الكلية التى هى الدليل الإجمالى كاجتهاد الحنفية فى دلالة العام والمطلق أنها قطعية فى مدلولها فلا يخصصها ولا يقيدها خبر الآحاد إلا إذا صارت ظنية بالتخصيص والتقييد كاجتهاد الشافعية فى أن دلالة العام والمطلق ظنية فتخصص بأخبار الآحاد.

الثانى: الاجتهاد بطريق النظر يتضمن قياس المجتهد أمرا لا نص فيه ولا إجماع على ما ورد فيه نص أو حكم مجمع عليه كما يتضمن استنباط‍ الحكم من قواعد الشريعة الإسلامية العامة مما يطلق عليه البعض الاجتهاد بالرأى.

وقال ابن حزم: نص الله تعالى على أنه لم يكل بيان الشريعة إلى أحد من الناس ولا إلى رأى ولا إلى قياس، ولكن إلى نص القرآن وإلى رسوله عليه السلام فقط‍، وما عداهما فضلال وباطل ومحال (٣).

[اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم]

اختلف العلماء فيه على أربعة آراء:

الأول: ليس له ذلك لقدرته على النص بنزول الوحى، وإليه ذهب أبو على الجبائى وأبو هاشم، ونقله أبو منصور الماتريدى عن أصحاب الرأى.

لأنه لو جاز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد لجاز مخالفته لمجتهد آخر لأن أحكام الاجتهاد تجوز مخالفتها.

والثانى: أن ذلك جائز له ووقع منه فعلا، وإليه ذهب الجمهور محتجين بما وقع من مثل قياسه القبلة على المضمضة فى عدم لفساد الصوم، وقياسه دين الله على دين العباد فى وجوب قضاء الحج.

ويرى كثير من الحنفية أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بانتظار الوحى فإن لم يرد كان عدم وروده أذنا له بالاجتهاد.

الثالث: وقوعه فى الحروب والآراء دون الأحكام الشرعية كالتأبد وأخبار مكان نزول الجيش فى موقعة بدر.

الرابع: التوقف عن القطع فى ذلك، وحكاه الآمدى عن الشافعى فى رسالته (٤).


(١) الأحكام لابن حزم ج‍ ٨ ص ١٣٦.
(٢) المرجع السابق ص ١٣٨.
(٣) الأحكام لابن حزم الظاهرى ج‍ ٨ ص ١٨.
(٤) انظر روضة الناظر ج‍ ٢ ص ٤٠٩.
وإرشاد الفحول للشوكانى ص ٢١٥.