للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمد والقهقهة والكلام، وهذه الأشياء حرام ومعصية فكيف تكون فرضا والوجه لتصحيح مذهب أبى حنيفة فى عدة من هذه المسائل من غير البناء على الأصل الذى ذكرنا أن فساد الصلاة ليس لوجود هذه العوارض بل بوجودها يظهر أنها كانت فاسدة، وبيان ذلك أن المتيمم اذا وجد الماء صار محدثا بالحدث السابق فى حق الصلاة التى لم تؤد لأنه وجد منه الحدث ولم يوجد منه ما يزيله حقيقة لأن التراب ليس بطهور حقيقة الا أنه لم يظهر حكم الحدث فى حق الصلاة المؤداة للحرج كيلا تجتمع عليه الصلوات فيخرج فى قضائها فسقط‍ اعتبار الحدث السابق دفعا للحرج ولا حرج فى الصلاة التى لم تؤد، وهذه الصلاة غير مؤداة فان تحريمة الصلاة باقية بلا خلاف وكذا الركن الأخير باق لأنه وان طال فهو فى حكم الركن كالقراءة اذا طالت فظهر فيها حكم الحدث السابق فتبين أن الشروع فيها لم يصح كما لو اعترض هذا المعنى فى وسط‍ الصلاة، وعلى هذا يخرج انقضاء مدة المسح لأنه اذا انقضى وقت المسح صار محدثا بالحدث السابق لأن الحدث قد وجد ولم يوجد ما يزيله عن القدم حقيقة لكن الشرع أسقط‍ اعتبار الحدث فيما أدى من الصلاة دفعا للحرج فالتحق المانع بالعدم فى حق الصلاة المؤداة ولا حرج فيما لم يؤد فظهر حكم الحدث السابق فيه (١).

هذا اذا وجد فى الصلاة ماء مطلقا فان وجد سؤر حمار مضى على صلاته لأنه مشكوك فيه وشروعه فى الصلاة قد صح فلا يقطع الشك، بل يمضى على صلاته فاذا فرغ منها توضأ به وأعاد لأنه ان كان مطهرا فى نفسه ما جازت صلاته وان كان غير مطهر فى نفسه جازت به صلاته فوقع الشك فى الجواز فيؤمر بالاعادة احتياطا، وان وجد نبيذا لتمر انتقض تيممه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأنه بمنزلة الماء المطلق عند عدمه عنده، وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا ينتقض لأنه لا يراه طهورا أصلا.

وعند محمد رحمه الله تعالى يمضى على صلاته ثم يعيدها كما فى سؤر الحمار.

هذا كله اذا وجد الماء فى الصلاة فأما اذا وجده بعد الفراغ من الصلاة فان كان بعد خروج الوقت فليس عليه اعادة ما صلى بالتيمم بلا خلاف وان كان فى الوقت فكذلك عند عامة العلماء لأن الله تعالى علق جواز التيمم بعدم الماء فاذا صلى حالة العدم فقد أدى الصلاة بطهارة معتبرة شرعا فيحكم بصحتها فلا معنى لوجوب الاعادة.

وروى أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تيمما من جنابة وصليا وأدركا الماء فى الوقت فأعاد أحدهما الصلاة ولم يعد الآخر فقال صلّى الله عليه وسلّم للذى أعاد:

أما أنت فقد أوتيت أجرك مرتين، وقال للآخر:

أما أنت فقد أجزأتك صلاتك عنك، أى كفتك، وهذا ينفى وجوب الاعادة (٢).

[مذهب المالكية]

جاء فى مواهب الجليل أن التيمم يبطله ما يبطل الوضوء من النواقض سواء كان ذلك التيمم للحدث الأصغر أو للحدث الأكبر، ويبطل التيمم أيضا بوجود الماء قبل الدخول فى الصلاة.

قال فى التوضيح: يريد اذا كان الوقت متسعا وان كان الوقت ضيقا ان توضأ فيه لم يدرك الصلاة لم يجب استعماله على الصحيح من المذهب.

قال اللخمى رحمه الله تعالى. وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى: ووجود ماء فى وقت يسعه يبطله فلو ضاق عن استعمال فانتقض لا يبطله وخرجه اللخمى على التيمم. حينئذ قال وان وجد الماء بعد دخوله فى الصلاة فان ذلك لا يبطل تيممه


(١) المرجع السابق ج ١ ص ٥٧ وما بعدها الى ص ٥٩ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق ج ١ ص ٥٩، ص ٦٠ نفس الطبعة.