للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مفروضات. والأصل في ذلك أن كل أمر فهو فرض إلا ما خرج عن ذلك بضرورة حس أو بنص أو إجماع. فإذا كانت أوامر معطوفات فخرج بعضها بأحد الدلائل التي ذكرنا عن الوجوب بقى سائرها على حكم المفهوم من الأوامر في الجملة. ولا نبالى كان الخارج عن معهود حكمه هو الأمر الأول في الذكر أو الآخر أو الأوسط كل ذلك سواء. وهو بمعزلة ما لو خرج بنسخ فإن سائرها يبقى على حكم الوجوب والطاعة. ضمن ذلك قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (١) فلولا الإجماع على أن الأكل من الثمر ليس فرضا لقلنا إنه فرض. ولكن لما خرج عن أن يكون فرضا بدليل الإجماع بقى الفعل المعطوف عليه على حكم الوجوب وهو قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}. ومن ذلك: أيضا: "فانتبزوا ولا تشربوا مسكرا" "وزوروها - يعنى القبور ولا تقولوا هجرا" الأمر الأول ندب بالإجماع والثانى فرض، وكذلك قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (٢) كان السعى خاصا للرجال دون النساء ولم يمنع ذلك الأمر بترك البيع من أن يكون فرضا على ظاهره وعاما لكل أحد من رجل أو امرأة. ومثل هذا كثير ووافقنا على ذلك أصحاب مالك.

[رابعا: الزيدية]

ذكر الشوكانى الخلاف في المسألة فقال: (٣)

اختلفوا إذا تعاقب أمران بمتماثلين: هل يكون الثاني للتأكيد فيكون المطلوب الفعل مرة واحدة أو للتأسيس فيكون المطلوب الفعل مكررا فقال الجبائى وبعض إنه للتأكيد ذهب الأكثر إلى أنه للتأسيس. وقال أبو بكر الصيرفى بالوقف في كونه تأسيسا وتأكيدا وبه قال أبو الحسين البصرى وأورد الشوكانى أدلة القائلين بأنه للتأكيد ونقضها ورجح أدلة أكثر الأصوليين ثم قال:

أما لو لم يكن الفعلان من نوع واحد فلا خلاف أن العمل بهما متوجه نحو صل ركعتين صم يوما وهكذا إذا كانا من نوع واحد ولكن قامت القرينة الدالة على أن المراد التأكيد نحو صم اليوم صم اليوم ونحو صل ركعتين صل الركعتين فإن التقييد باليوم وتعريف يعتبران أن المراد بالثانى هو الأول. وهكذا إذا اقتضت العادة أن المراد التأكيد كقوله اسقنى ماء واسقنى ماء وهكذا إذا كان التأكيد بحرف العطف نحو صل ركعتين وصل كتين لأن التكرار المقيد للتأكيد لم يعهد إيراده خرف العطف وأقل الأحوال أن يكون قليلا والحمل على الأكثر أولى. أما لو كان الثاني مع العطف معرفا فالظاهر التأكيد نحو صل ركعتين وصل الركعتين لإن دلالة اللام على إرادة التأكيد أقوى من دلالة حرف العطف على إرادة التأسيس.

[خامسا: الإباضية]

قال صاحب طلعت الشمس: (٤)

إذا تكرر الأمر فإما أن يتفق المأمور به "كصل ركعتين. صل ركعتين" وإما أن يختلف المأمور به نحوه صل ركعتين. صل أربع ركعات "فإن اختلف المأمور به فكلا الأمرين واجب اتفاقا وإن اتفق المأمور به ففى وجوبهما معا مذاهب.

اختار المصنف القول بأن كلا الأمرين واجب


(١) آية ١١٤ سورة الأنعام.
(٢) آية ٩ سورة الجمعة.
(٣) إرشاد الفحول ص ١٠٨.
(٤) طلعت الشمس جـ ١ ص ٦٠.