شرائط جواز اقامة الحد جاء فى بدائع (١) الصنائع أنه يشترط لجواز اقامة الحد أن يقيمه الامام أو من ولاه الامام لأن الحد حق الله تعالى اذا المقصود اخلاء العالم عن الفساد ولهذا لا يسقط باسقاط العبد فيستوفيه من هو نائب عن الشرع وهو الامام أو نائبه.
ولا يقيم المولى الحد على عبده الا باذن الامام لأن ولاية اقامة الحدود ثابتة للامام بطريق التعيين والمولى لا يساويه فليما شرع له بهذه الولاية فلا يثبت له ولاية الاقامة ولأن ولاية اقامة الحد انما تثبت للامام لمصلحة العباد وهى صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والموالى لا يساوى الامام فى هذا المعنى لان ذلك يقف على الامامة والامام قادر على الاقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهرا وجبرا ولا يخاف تبعة الجناة واتباعهم لانعدام المعارضة بينهم وبين الامام وتهمة الميل والمحاباة والتوانى عن الاقامة منتفية فى حقه فيقيم على وجهها فيحصل الغرض المشروع له الولاية بيقين والمولى لا يساوى الامام فى تحصيل ما شرع له اقامة الحد فلا يزاحمه فى الولاية وللامام أن يستخلف على اقامة الحدود لأنه لا يقدر على استيفاء الجميع بنفسه لأن أسباب وجوبها توجد فى أقطار دار الإسلام ولا يمكنه الذهاب اليها وفى الاحضار الى مكان الامام حرج عظيم فلو لم يجز الاستخلاف لتعطلت الحدود وهذا لا يجوز ولهذا كان النبى صلّى الله عليه وسلّم يجعل إلى الخلفاء تنفيذ الأحكام واقامة الحدود.
ويجوز للخليفة أن يقيم الحد اذا نص له الامام فى توليه على اقامة الحدود وكذلك اذا ولاه ولاية عامة مثل امارة أقليم أو بلد عظيم فان له ان يقيم الحدود وان لم ينص عليها لأنه لما قلده امارة البلد فقد فوض اليه القيام بمصالح المسلمين واقامة الحدود معظم مصالحهم فيملكها أما اذا ولاه الامام ولاية خاصة مثل جباية الخراج ونحو ذلك فانه لا يملك اقامة الحد لأن هذه التولية لم تتناول اقامة الحدود.
ولو استعمل أمير على الجيش الكبير فان كان أمير مصر أو مدينة فغزا بجنده فانه يملك اقامة الحدود فى معسكره لأنه كان يملك الاقامة فى بلده فاذا خرج بأهله أو ببعضهم ملك عليهم ما كان يملك فيهم قبل الخروج وأما من أخرجه أمير البلد غازيا فلا يملك اقامة الحد.
والامام العدل له أن يقيم الحدود وينقذ القضاء فى معسكره كما له أن يفعل ذلك فى المصر لأن للامام ولاية ثابتة على جميع دار الاسلام وكذا إذا استعمل قاضيا له أن يفعل ذلك فى المعسكر لانه نائب الامام .. وكذا يشترط لجواز اقامة الحدود أهلية أداء الشهادة للشهود عند الاقامة فى الحدود كلها حتى لو بطلت الأهلية بالفسق أو الردة أو الجنون أو العمى أو الخرس أو حد القذف بأن فسق الشهود أو ارتدوا أو جنوا أو عموا أو خرسوا أو ضربوا حد القذف كلهم أو بعضهم لا يقام الحد على المشهود عليه لأن اعتراض أسباب الجرح على الشهادة عند امضاء الحد بمنزلة اعتراضها عند القضاء به واعتراضها عند القضاء يبطل الشهادة فكذا عند الامضاء وأما موت الشهود وغيبتهم عند الاقامة فلا يمنعان من الاقامة فى سائر الحدود الا الرجم حتى لو ماتوا كلهم أو غابوا كلهم أو بعضهم يقام الحد على المشهود عليه إلا الرجم لأنهما ليسا من أسباب الجرح لأن أهلية الشهادة لا تبطل بالموت والغيبة بل تتناهى وتتقرر وتختم بها العدالة على وجه لا يحتمل الجرح وفى حد الرجم انما يمنعان الاقامة لا لأنهما يجرحان فى الشهادة بل لأن البداية من الشهود شرط جواز الاقامة ولم توجد وروى عن محمد فى الشهود
(١) بدائع الصنائع ج ٧ ص ٥٧، ٥٨ وفتح القدير ج ٤ ص ١٢٩، ص ١٣٠