للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العادلة أحق من اليمين الفاجرة" (١)، ولو ردت اليمين على المدعى فنكل ثم أقام بينة حكم بها لاحتمال أن يكون نكوله للتورع عن اليمين الصادقة: ولو قال بعد إقامة بينة بدعواه: بينتى كاذبة أو مبطلة سقطت، ولم تبطل دعواه، واستثنى البلقينى ما إذا أجاب المدعى عليه وديعة بنفى الاستحقاق، وحلف عليه، فإن حلفه يفيد البراءة حتى لو أقام المدعى بينة بأنه أودعه الوديعة المذكورة لم تؤثر، فإنها لا تخالف ما حلف عليه من نفى الاستحقاق (٢).

[ثانيا: نكول المدعى عليه عن اليمين]

النكول شرعًا: أن يقول المدعى عليه بعد عرض القاضي اليمين عليه أنا ناكل عنها، أو يقول له القاضي: احلف فيقول لا أحلف لصراحتهما في الامتناع، فيرد اليمين، وإن لم يحكم القاضي بالنكول.

إذا نكل المدعى عليه عن يمين طلبت منه حلف المدعى اليمين المردودة لتحول الحق إليه، قضى له بمدعاه، ولا يقضى بنكول المدعى عليه؛ وذلك لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - - (رد اليمين على طالب الحق) (٣) وقال الله تعالى: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} (٤) أي بعد الامتناع من الأيمان الواجبة فدل على نقل الأيمان من جهة إلى جهة، والمعنى أن النكول كما يحتمل أن يكون تحرزا عن اليمين الكاذبة يحتمل أن يكون تورعا عن اليمين الصادقة فلا يقضى مع التردد، والنكول، هو أن يقول المدعى عليه بعد أن يعرض القاضي اليمين عليه: أنا ناكل عنها أو يقول له القاضي: احلف فيقول لا أحلف لصراحتها في الامتناع فيرد اليمين، وإن لم يحكم القاضي بالنكول، وفى أصل الروضة أن القاضي لو قال له: قل بالله فقال بالرحمن فإنه يعتبر نكولًا، ولو قال له: قل بالله فقال: والله أو تالله فهل هو نكول أم لا؟ وجهان: صحيح البلقينى منهما أنه لا يكون نكولا، وصوبه الزركشى، قال الشيخان: ويجرى الوجهان أيضًا فيما لو غلظ عليه باللفظ أو بالزمان أو المكان وامتنع، وصحح البلقينى أيضًا أنه لا يكون نكولا وهو الظاهر؛ لأن التغليظ بذلك ليس واجبا فلا يكون الممتنع منه ناكلا، وقال القفال: الأصح في التغليظ اللفظى أنه ناكل، وقطع بعضهم به في المكانى والزمانى لا اللفظى، ولو قال له: قل تالله بالمثناة فقال بالموحدة قال الشيخان عن الققال: يكون يمينا؛ لأنه أبلغ وأشهر فإن سكت المدعى عليه بعد عرض اليمين عليه لا لدهشة ونحوها حكم القاضي بنكوله، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء نازل منزلة الإنكار ولابد من الحكم هنا ليرتب عليه رد، واليمين بخلاف ما لو صرَّح بالنكول فإن اليمين يرد، وإن لم يحكم القاضي، وللخصم العود إلى الحلف بعد نكوله ما لم يحكم بنكوله حقيقة أو تنزيلا على المعتمد، وإلا فليس له العود إلا برضا المدعى والحكم كقوله: جعلتك ناكلا أو نكَّلتك بالتشديد، ويسن للقاضى أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول، ويبين القاضي النكول للجاهل به


(١) رواه البخاري: كتاب الشهادات، باب: من أقام البينة: ٢/ ٩٥١.
(٢) مغنى المحتاج: ٤/ ٤٣٩.
(٣) رواه الحاكم وصحح إسناده.
(٤) المائدة، الآية: ١٠٨.