للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباعه فى دين كان عليه.» ولأن فى الحجر على المفلس نظرا ومصلحة للدائنين كى لا يلحق بهم الضرر بالاقرار بماله للغير أو تلجئته ونحوها (١).

ويرى أبو حنيفة أن بيع النبى صلّى الله عليه وسلّم مال معاذ - فى الحديث المشار اليه - كان بإذنه، والدليل على ذلك أن بيع مال المفلس لا يجوز حتى يأمره القاضى ويأبى، ولا يظن معاذ أنه أبى وخالف أمر النبى صلّى الله عليه وسلّم. وقولهما هو الذى عليه الفتوى، وهو المعتمد وبناء على قولهما أيضا يشترط‍ لصحة الحكم بالافلاس أن يطلب الدائنون ذلك من القاضى. وبناء على قولهما يتوقف الحجر بسبب الافلاس على القاضى كما يشترط‍ لصحة الحجر على المفلس - عندهما أن يقضى القاضى بالافلاس أولا، ثم يقضى بالحجر بناء عليه (٣)، حتى لو حجر عليه من غير أن يقضى عليه بالافلاس لا يصح حجره بلا خلاف (٢).

وينبغى للقاضى أن يشهر ويعلن أنه حجر على المفلس فى ماله لأنه يتعلق بهذا الحجر أحكام، وربما يقع التجاحد فيحتاج الى إثباته، فيشهد إحتياطا ليقع الأمن عند الانكار. وكذلك ينبغى له أن يبين أن الافلاس هو سبب الحجر. ويبين أيضا اسم الدائن الذى تم الحجر لأجله فيقول: حجرت عليه بسبب الدين لفلان ابن فلان، وذلك لاختلاف أسباب الحجر عندهما، ولأنه يرتفع بإبراء الدائن، وبوصول حقه اليه فيحتاج الى معرفته (٣). ولا يشترط‍ لصحة الحكم بالافلاس والحجر بناء عليه أن يكون المديون حاضرا، فيصح الحكم بهما وإن كان المدعى عليه المديون غائبا. إلا أنه يشترط‍ علم المحجور عليه بعد الحجر حتى أن كل تصرف باشره بعد الحجر قبل العلم به يكون صحيحا عندهما.

وكذلك يصح هذا الحجر سواء كان قبل حبس المفلس أو بعده من حق صاحب الدين المؤجل أن يطلب حبس المديون أو الحكم بإفلاسه والحجر عليه بسبب ذلك قبل حلول الأجل، لأن صاحب الدين هو الذى أخر حق نفسه بالتأجيل فلا يملك مطالبته قبل حلول الأجل.

[مذهب المالكية]

اذا عجز المديون عن قضاء ما لزمه من ديون ورفع الدائنون أمره للقاضى جاز للقاضى أن يحكم بإفلاسه ويحجر عليه وذلك بأن يحكم بخلع ما بيده من ماله لدائنيه. فاذا تعذر وصول الدائنين لديونهم إلا بحكم القاضى بذلك فإنه يجب على القاضى أن يحكم به. وجوبه عليه حينئذ أمر عارض لا لذات الافلاس لأنه من أصله جائز (٤). وهذا هو ما يسمى بالافلاس الخاص. ويحتاج لحكم القاضى به. واستدلوا لذلك بحديث معاذ السابق الذى أستند اليه أبو يوسف ومحمد فى مذهب الحنفية فى الحجر على المفلس. وقد روى الحجر على المديون واعطاء الدائنين ماله من فعل عمر كما فى الموطأ والدار قطنى وابن أبى شيبة والبيهقى وغيرهم، ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة (٥) وسواء فى ذلك أن يكون المديون حاضرا أو غائبا ولم يعلم يساره حين سفره فيحكم بإفلاسه ولا يتوقف الحكم على حضوره فإن علم يساره حين سفره لم يحكم بإفلاسه إستصحابا لحالة غيبته وهذا فى الغيبة البعيدة كشهر أو المتوسطة كعشرة أيام أما القريبة


(١) العناية على الهداية والفتاوى الهندية ج ٥ ص ٦٢ الطبعة السابقة
(٢) الفتاوى الهندية ج ٥ ص ٦١
(٣) حاشية ابن عابدين ج ٤ ص ٣٣١، البدائع ج ٧ ص ١٧٣
(٤) الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج ٢ ص ١٣٩ طبعة المطبعة الاميرية سنة ١٢٨٩ هـ‍، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج ٣ ص ٢٦٤ مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة ١٣٢٨ هـ‍ شرح الخرشى بحاشية العدوى ج ٥ ص ٣٠٥ الطبعة السابقة
(٥) بداية المجتهد لابن رشد ج ٢ ص ٢٨٤ الطبعة السابقة وشرح الخرشى ج ٥ ص ٣٠٣، نيل الأوطار للشوكانى ج ٥ ص ٢٤٥ المطبعة العثمانية الطبعة الاولى سنة ١٣٥٧ هـ‍