للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثانيا: أن يكون موجودا عند الإبراء وعلى ذلك يبطل الإبراء من الحق قبل وجوده، فلا يصح أن تبرأ شخصا من كل ما سيقرضه منك أو مما سيجب لك علية، كما لا يصح ابراء الزوجة زوجها من نفقة مستقبلة ولا من نفقة العدة قبل أن يطلقها، لأن الإبراء إسقاط‍ وما سيوجد ساقط‍ فعلا فلا يقبل إسقاطا. وسنبين فيما يأتى الحكم فى الإبرأء عن النفقة.

ولا يشترط‍ فى الحق المبرأ منه أن يكون معلوما … ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة والمؤيد من الزيدية، فجوزوا الإبرأء من الحق المجهول سواء أكان مجهولا لدى المبرئ أم لدى المبرأ.

وخالف فى ذلك الشافعية والناصر من الزيدية فاشترطوا علم المبرئ بما أبرأ منه واستثنوا من هذا الحكم أن يكون الدائن جاهلا مقدار دينه ولكنه ذكر له عند الإبراء منه نهاية يتحقق أن دينه دونها فى المقدار، كما إذا قال له أبرأتك من دينى البالغ الفا جنيه وهو متحقق من أن دينه دون ألالف (١).

وذهب الحنابلة الى أن البراءة من الدين لا تصح اذا كان المبرئ لا يعلم بوجود الدين فى حين أن المدين يعلمه ولكنه كتمه عنه خوفا من أنه إذا علمه طالبه به ولم يبرئه منه لأن هذا يعد هضما للحق وظلما للدائن ولا يعد الإبراء فى هذه الحال صادرا من صاحبه عن إرادة معتبرة وإنما صدر منه على وجه الهزل أو اللعب.

ويرون صحه الإبراء من المجهول ولو لم يتعذر العلم به، كما يرون صحه الإبراء ممن يعتقد أنه لا لدين له فى ذمة من أبراء ثم تبين أنه كان مدينا عند إقدامه على إبرائه.

والإبراء من دين الأب مع ظن حياته فبان أن الأب كان ميتا عند صدور الإقرار (٢).

وذهب الزيدية إلى عدم صحة الإبراء مع التدليس كأن يبرئ الدائن مدينه بناء على تفهيم المدين اياه بأنه فقير أو أن الدين حقير ثم تبين خلاف ذلك (٣). وأختلف الزيدية فى صحة الإبراء من المجهول، فمنهم من ذهب إلى صحته ومنهم من ذهب الى عدم صحته.

[موضوع الابراء]

الإبراء عن الأعيان

الإبراء عن الحقوق

ذكرنا فى شروط‍ الإبراء أن الإبراء لا يكون الا عن حق للمبرئ قبل غيره ويجب فيه أن يكون موجودا عند الإبراء وهذا محل اتفاق بين المذاهب. وذكرنا أنه لا يشترط‍ فيه أن يكون معلوما عند المبرأ ولا عند المدين المطالب به وهو من عليه الحق وذكرنا خلاف الشافعية فى ذلك - وبناء على ذلك كان الإبراء عن الأعيان غير صحيح ولا يترتب عليه أى أثر فى أكثر أحواله أذ أن الإبراء اسقاط‍ أو يحمل معنى الإسقاط‍، والأعيان بطبيعتها لا تقبل الإسقاط‍، ولذا يصح الإبراء فيها إذا كان القصد منه الإبراء من حق متعلق بها لا الايراء منها، أما الإبراء منها فلا أثر له.


(١) الأشباه للسيوطى ص ٥٧١.
(٢) كشاف القناع ج‍ ٢ ص ٤٧٨.
(٣) الازهار ج‍ ٤ ص ٢٧٨، ٣٠١ وما بعدها.
(٤) مطالب أولى النهى ص ٣٩٢.