للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يعد تمليكا لها بناء على ما يحمله من معنى التمليك بل تظل فى يد من هى فى يده مملوكة لصاحبها وله إذا ظفر بها أن يأخذها ولكن مع ذلك لا تسمع دعواه بها بعد الإبراء منها إذ ينصرف إبراؤه هذا إلى حق الإدعاء بها، فلا يبقى له حق فى الدعوى بها بعد الإبراء بل يسقط‍ به. وليس هذا الحكم محل إتفاق عند الحنفية فقد جاء فى الخلاصة قال: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتى فيها أو عن دعواى فيها .. فهذا كله باطل حتى لو ادعاها بعد هذا الإبراء سمعت دعواه ولو أقام بينته لاثباتها قبلت.

وجاء فى الخانية أن الابراء عن العين المغصوبه إبراء عن ضمانها وتصير به أمانة فى يد الغاصب، ولو كانت العين مستهلكة صح الإبراء وبرأ من قيمتها.

وقد نقل صاحب الأشباه هذا وعلق عليه بقوله: فقولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه أنها لا تكون به ملكا والا كالابراء عنها بقصد سقوط‍ ضمانها صحيح أو يحمل قولهم على الإبراء عن الأمانة، أى أن البطلان محل إذا كان الإبراء عن أعيان هى أمانة لأنها اذا كانت أمانة لم تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء منها.

وحاصله: ان الابراء المتعلق بالأعيان أما أن يكون عن دعواها وذلك صحيح بلا خلاف مطلقا لأنه فى الواقع إسقاط‍ لحق وأما أن يتعلق بنفسها. فإن كانت فى هذه الحال مغصوبة هالكة صح أيضا كالإبراء من الدين إذ يعد إبراء من قيمتها، وإن كانت قائمة كان معنى البراءة منها البراءة من ضمانها لو هلكت فتصير بعد هذا الإبراء كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدى عليها.

ويرى الزيدية أن الإبراء عن العين المضمونة مثل أن يبرئ مالكها الغاصب إسقاط‍ لضمانها … وهذا أحد قولى المؤيد بالله، وذهب بعضهم إلى أنه يفيد إباحتها.

وذهب زفر إلى عدم صحة الإبراء فى هذه الحال فتظل بعده العين مضمونة (خانية).

وإن كانت العين أمانة فالبراءة منها لا تصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها صاحبها أخذها وتصح قضاء فلا يجوز للقاضى أن يسمع دعواه بها بعد البراءة.

ويرى الزيديه أنه يعد إباحة لها فيجوز لذى اليد أن يستهلكها ولمالكها أن يرجع عن هذا الإبراء قبل إستهلاكها. ومنهم من ذهب إلى أن الابراء عن الاعيان يفيد تمليكها لا فرق فى ذلك بين عين مضمونة وعين هى أمانة فى يد صاحب اليد عليها (١).

وبناء على ما تقدم لا يصح الإبراء عن الأعيان على معنى تمليكها لمن هى فى يده وإنما يفيد ابراءه عن ضمانها اذا كانت فى يده مضمونة فتنقلب أمانة فى يده. وكذلك لا يصح بالنسبة إلى الأعيان غير المضمونة على هذا الإعتبار، وإنما يصح على أساس البراءة من الإدعاء بها. وعليه يكون للمبرأ أن يأخذها إذا ما ظفر بها لأنها ما زالت على ملكه. وكذلك لا يصح الإبراء من الحقوق التى لا تقبل الإسقاط‍ كحق الرجوع فى الهبة والرجوع فى الوصية، لأن فى جواز ذلك


(١) شرح الازهار ج‍ ٤ ص ٢٩٨، ٢٩٩.