للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشترى: بل اشتريت هذه الجارية بألف ففيه وجهان: أحدهما: يتحالفان، لأن كل واحد منهما يدعى عقدًا ينكره الآخر فَأشْبه إذا اختلفا في قدر المبيع، والثانى أنهما لا يتحالفان. بل يحلف البائع أنه ما باعه إلا الجارية، ويحلف المشترى أنه ما اشترى العبد، وهو اختيار أبي حامد الإسفرايينى؛ لأنهما اختلفا في أصل العقد في العبد والجارية، فكان القول فيه قول من ينكر، كما لو ادعى أحدهما على الآخر عبدًا والآخر جارية من غير عقد، فإن أقام البائع بينة أنه باعه العبد وجب على المشترى الثمن. فإن كان العبد في يده أقر في يده، وإن كان في يد البائع ففيه وجهان: أحدهما: يجبر المشترى على قبضه؛ لأن البينة قد شهدت له بالملك، والثانى لا يجبر؛ لأن البينة شهدت له بما لا يدعيه فلم يسلم إليه فعلى هذا يسلم إلى الحاكم ليحفظه (١).

وجاء في موضع آخر: أنه إذا اختلف المتبايعان في مقدار الثمن ولم تكن بينة تحالفا، لما روى ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن الناس أُعطوا بدعاويهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم، لكن اليمين على المدعى عليه" (٢). فجعل اليمين على المدعى عليه والبَائع مدعى عليه بيع بألف والمشتري مدعى عليه بيع بألفين فوجب أن يكون على كل واحد منهما اليمين؛ لأن كل واحد منهما مدعى عليه ولا بينة فتحالفا، كما لو ادعى رجل على رجل دينارًا أو. ادعى الآخر على المدعى درهمًا، ويجب أن يجمع كل واحد منهما في اليمين بين النفى والإثبات؛ لأنه يدعى عقدًا وينكر عقدًا فوجب أن يحلف عليهما، ويجب أن يقدم النفى على الإثبات. وقال أبو سعيد الإصطخرى: يقدم الإثبات على النفى كما قدمنا الإثبات على النفى في اللعان، والمذهب الأول (٣).

[مذهب الحنابلة]

جاء في (كشاف القناع): ولا يبطل البيع بجحود أحد العاقدين له، فلو قال: بعتك الأمة بكذا فأنكر المشترى لم يطأها البائع، لكن إن لم يبذل له الثمن فيتوجه له الفسخ كما لو أعسر المشترى. ولو ادعى من بيده أمة بيع الأمة ودفع الثمن، فقال من كانت بيده: بل زوجتكها فقد اتفقا على إباحة الفرج له؛ لأنها إما ملك يمين أو زوجة، وتقبل دعوى النكاح ممن كانت بيده بيمينه؛ لأن الأصل عدم البيع (٤).

ثم جاء في موضع آخر: أنه متى اختلف المتعاقدان في قدر ثمن أو في قدر أجرة بأن قال البائع: بعتكه بمائة فقال المشترى: بل بثمانين وكذا في الإجارة ولا بينة لأحدهما تحالفا، أو لهما بينة تحالفا وسقطت بينتاهما لتعارضهما، ولو كانت السلعة المبيعة تالفة، لأن كلا منهما مدعٍ ومدعى عليه صورة وكذا حكمًا لسماع بينتهما (٥).

وجاء في (الشرح الكبير) مع (المغنى): إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة فقال البائع: بعتك بعشرين، وقال المشترى: بعشرة


(١) المهذب: ١/ ٢٩٣، بتصرف.
(٢) في مسند أبي يعلى وغيره بلفظ، "لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه. وإسناده صحيح. انظر: مسند أبي يعلى: ٤/ ٤٦٤.
(٣) المهذب، الصفحة نفسها.
(٤) كشاف القناع: ٢/ ٧٤.
(٥) المرجع السابق: ٢/ ٦٧.